الحركات. وليس للذي قال من ذلك معنى، لان ذلك إنما كان جائزا أن يكون كذلك لو كان معنى الكلام: لا تضارون والدة بولدها، وكان المنهي عن الضرار هي الوالدة. على أن معنى الكلام لو كان كذلك لكان الكسر في تضار أفصح من الفتح، والقراءة به كانت أصوب من القراءة بالفتح، كما أن مد بالثوب أفصح من مد به. وفي إجماع القراء على قراءة:
لا تضار بالفتح دون الكسر دليل واضح على إغفال من حكيت قوله من أهل العربية في ذلك.
فإن قال قائل ذلك قاله توهما منه أنه معنى ذلك: لا تضارر والدة، وأن الوالدة مرفوعة بفعلها، وأن الراء الأولى حظها الكسر فقد أغفل تأويل الكلام، وخالف قول جميع من حكينا قول من أهل التأويل. وذلك أن الله تعالى ذكره تقدم إلى كل واحد من أبوي المولود بالنهي عن ضرار صاحبه بمولودها، لا أنه نهى كل واحد منهما عن أن يضار المولود، وكيف يجوز أن ينهاه عن مضارة الصبي، والصبي في حال ما هو رضيع غير جائز أن يكون منه ضرار لاحد، فلو كان ذلك معناه، لكل التنزيل: لا تضر والدة بولدها.
وقد زعم آخرون من أهل العربية أن الكسر في تضار جائز، والكسر في ذلك عندي غير جائز في هذا الموضع، لأنه إذا كسر تغير معناه عن معنى لا تضار الذي هو في مذهب ما لم يسم فاعله، إلى معنى لا تضار الذي هو في مذهب ما قد سمي فاعله.
فإذا كان الله تعالى ذكره قد نهى كل واحد من أبوي المولود عن مضارة صاحبه بسبب ولدهما، فحق على إمام المسلمين إذا أراد الرجل نزع ولده من أمه بعد بينونتها منه، وهي تحضنه وتكلفه وترضعه بما يحضنه به غيرها ويكلفه به ويرضعه من الأجرة، أن يأخذ الوالد بتسليم ولدها ما دام محتاجا الصبي إليها في ذلك بالأجرة التي يعطاها غيرها. وحق عليه إذا كان الصبي لا يقبل ثدي غير والدته، أو كان المولود له لا يجد من يرضع ولده، وإن كان يقبل ثدي غير أمه، أو كان معدما لا يجد ما يستأجر به مرضعا ولا يجد ما يتبرع عليه برضاع مولوده، أن يأخذ والدته البائنة من والده برضاعه وحضانته لان الله تعالى ذكره حرم على كل واحد من أبويه ضرار صاحبه بسببه، فالاضرار به أحرى أن يكون محرما مع ما في الاضرار به من مضارة صاحبه.
القول في تأويل قوله تعالى: وعلى الوارث مثل ذلك.