لذلك يفهم من الآية أن الكافرين بالإضافة إلى عدم انتصارهم من حيث المنطق على المؤمنين، فهم لن ينتصروا ولن يتسلطوا على المؤمنين في أي من النواحي العسكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية، بل ولا في أي مجال آخر.
وما نشاهده من انتصار للكافرين على المسلمين في الميادين المختلفة، إنما هو بسبب أن المسلمين المغلوبين لم يكونوا ليمثلوا - في الحقيقة - المسلمين، المؤمنين الحقيقيين، بل هم مسلمون نسوا آدابهم وتقاليدهم الإيمانية، وتخلوا عن مسؤولياتهم وتكاليفهم وواجباتهم الدينية بصورة تامة، فلا كلام عن الاتحاد والتضامن والأخوة الإسلامية بينهم، ولا هم يقومون بواجب الجهاد بمعناه الحقيقي، كما لم يبادروا إلى إكتساب العلم الذي أوجبه الإسلام وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة ودعا إلى تحصيله وطلبه من يوم الولادة حتى ساعة الوفاة، حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " أطلب العلم من المهد إلى اللحد ".
ولما أصبحوا هكذا فقد استحقوا أن يكونوا مغلوبين للكفار.
وقد استدل جمع من الفقهاء بهذه الآية على أن الكفار لا يمكن أن يتسلطوا على المسلمين المؤمنين من الناحية الحقوقية والحكمية، ونظرا للعمومية الملحوظة في الآية، لا يستبعد أن تشمل الآية هذا الأمر أيضا.
ومما يلفت النظر في هذه الآية هو التعبير عن انتصار المؤمنين بكلمة " الفتح " بينما عبرت الآية عن انتصار الكفار بكلمة " النصيب " وهو إشارة إلى أن انتصار الكفار إنما هو نصيب محدود وزائل، وأن الفتح والنصر النهائي هو للمؤمنين.
* * *