" مثقال " يعني الثقل، فإن التعبير بمثقال ذرة يعني جسما في غاية الدقة والصغر.
إن الآية الحاضرة تقول: إن الله لا يظلم قط زنة ذرة، بل يضاعف الحسنة إذا قام بها أحد، ويعطي من لدنه على ذلك أجرا عظيما: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنها أجرا عظيما.
إن هذه الآية - في الحقيقة - تقول للكافرين الذين يبخلون والذين مر الحديث عن أحوالهم في الآيات السابقة: إن العقوبات التي تصيبكم ما هي في الحقيقة إلا جزاء ما قمتم به من الأعمال، وأنه لا يصيبكم أي ظلم من جانب الله، بل لو أنكم تركتم الكفر والبخل وسلكتم طريق الله لنلتم المثوبات العظيمة المضاعفة.
ثم أنه لابد من الانتباه إلى أن لفظة " ضعف " و " المضاعف " تعني في اللغة العربية ما يعادل الشئ أو يربو عليه مرات عديدة، وعلى هذا الأساس لا تنافي هذه الآية الآيات الأخرى التي تقول: إن أجر الإنفاق قد يصل إلى عشرة أضعاف، وقد يصل إلى سبعمائة مرة....
وعلى أي حال فإنها تحكي عن لطف الله بالنسبة إلى عباده، حيث لا يعاقبهم على سيئاتهم وذنوبهم بأكثر مما عملوا، بينما يضاعف الأجر بمرات كثيرة إذا أتوا بحسنة واحدة.
يبقى أن نعرف لماذا لا يظلم الله سبحانه؟ فإن السبب فيه واضح، لأن الظلم عادة - إما ناشئ عن الجهل، وإما ناشئ عن الحاجة، وإما ناشئ عن نقص نفسي.
ومن كان عالما بكل شئ، وكان غنيا عن كل شئ، ولم يكن يعاني من أي نقص، لا يمكن صدور الظلم منه، فهو لا يظلم أساسا، لا أنه تعالى لا يقدر على الظلم، ولا أن الظلم غير متصور في حقه (كما تذهب إليه طائفة من الأشاعرة)، بل مع قدرته تعالى على الظلم - لا يظلم أبدا لحكمته وعلمه، فهو يضع كل شئ في عالم الوجود موضعه، ويعامل كل أحد حسب عمله، وطبقا لسلوكه وسيرته.
* * *