ليعلم أنها ينقلب إلى الياء، وإن كانت فاصلة أو مشبهة بالفاصلة. فالإمالة فيها حسنة، لأن الفاصلة موضع وقف، والألف تخفى في الوقف، فإذا أمالها نحى بها نحو الياء، ليكون أظهر لها، وأبين، ومما يقوي ذلك أن من العرب من يقلب هذه الألفات في الوقف ياءات، ليكون أبين لها. قالوا: أفعى، وحبلى، ومنهم من يقول أفعو، وهم، كأنهم أحرص على البيان من الأولين، من حيث كانت الواو أظهر من الياء، والياء أخفى منها من حيث كانت أقرب إلى الألف من الواو إليها. وأما من أمال الألف من الكلمة الأولى، ولم يمل من الثانية فإنه يجوز أن لا يجعل أعمى الكلمة الثانية، عبارة عن المؤوف الجارحة، ولكنه جعله أفعل من كذا، مثل أبلد من فلان، فجاز أن يقول فيه أفعل من كذا وإن لم يجز أن يقول ذلك في المصاب ببصره. فإذا جعله كذلك لم يقع الألف في آخر الكلمة، لأن آخرها إنما هو من كذا وإنما تحسن الإمالة في الأواخر لما تقدم. وقد حذف من أفعل الذي هو للتفضيل، الجار والمجرور، وهما مرادان في المعنى مع الحذف، وذلك نحو قوله * (فإنه يعلم السر وأخفى) * المعنى من السر. وكذلك قولهم عام أول أي: أول من عامك وكذلك قوله * (فهو في الآخرة أعمى) * أي. أعمى منه في الدنيا. و معنى أعمى في الآخرة: إنه لا يهتدي إلى طرق الثواب. ويؤكد ذلك ظاهر ما عطف عليه من قوله * (وأضل سبيلا) * فكما أن هذا لا يكون إلا على أفعل، فكذلك المعطوف عليه.
ومعنى أضل سبيلا في الآخرة: إن ضلاله في الدنيا قد كان ممكنا من الخروج منه، وضلاله في الآخرة لا سبيل له إلى الخروج منه، ويجوز أن يكون أعمى فيمن تأوله أفعل من كذا على هذا التأويل أيضا. قال ابن جني: قراءة الحسن * (يوم يدعو) * على لغة من أبدل الألف في الوصل واوا، نحو أفعو وحبلو، ذكر ذلك سيبويه، وأكثر هذا في الوقف.
المعنى: لما تقدم قول إبليس هذا الذي كرمت علي، ذكر سبحانه بعد ذلك تكرمه لبني آدم بأنواع الإكرام، وفنون الإنعام، فقال * (ولقد كرمنا بني آدم) * أي:
فضلناهم، عن ابن عباس. وأجريت الصفة على جميعهم من أجل من كان فيهم على هذه الصفة، كقوله * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * وقيل: إنما عمهم بالتكرمة مع أن فيهم الكافر المهان، لأن المعنى أكرمناهم بالنعم الدنيوية، كالصور الحسنة، وتسخير الأشياء لهم، وبعث الرسل إليهم. وقيل: معناه عاملناهم معاملة المكرم على وجه المبالغة في الصفة. واختلف فيما كرموا به فقيل: بالقوة، والعقل،