علامة السخط والهلاك.
* (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) * ذكر في معناه أقوال أحدها:
إن هذه إشارة إلى ما تقدم ذكره من النعم، ومعناه: إن من كان في هذه النعم، وعن هذه العبر، أعمى، فهو عما غيب عنه من أمر الآخرة أعمى، عن ابن عباس وثانيها: إن هذه إشارة إلى الدنيا: ومعناه: من كان في هذه الدنيا أعمى عن آيات الله، ضالا عن الحق، ذاهبا عن الدين، فهو في الآخرة أشد تحيرا وذهابا عن طريق الجنة، أو عن الحجة إذا سئل، فإن من ضل عن معرفة الله في الدنيا، يكون يوم القيامة منقطع الحجة، فالأول اسم، والثاني فعل من العمى. وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد، وقتادة وثالثها: إن معناها من كان في الدنيا أعمى القلب، فإنه في الآخرة أعمى العين، يحشر كذلك عقوبة له على ضلالته في الدنيا، عن أبي مسلم، قال: وهذا كقوله * (ونحشره يوم القيامة أعمى) * وتأول قوله سبحانه * (فبصرك اليوم حديد) * بأن معناه الأخبار عن قوة المعرفة، والجاهل بالله سبحانه يكون عارفا به في الآخرة، وتقول العرب: فلان بصير بهذا الأمر، وإنما أرادوا بذلك العلم والمعرفة، لا الإبصار بالعين، وعلى هذا فليس يكون قوله * (فهو في الآخرة أعمى) * على سبيل المبالغة والتعجب.
وإن عطف عليه بقوله * (وأضل سبيلا) *: ويكون التقدير وهو أضل سبيلا، قال: ويجوز أن يكون أعمى عبارة عما يلحقه من الغم المفرط، فإنه إذ لم ير إلا ما يسوء، فكأنه أعمى، كما يقال فلان سخين العين ورابعها: إن معناه من كان في الدنيا ضالا، فهو في الآخرة أضل، لأنه لا يقبل توبته، عن الحسن، واختاره الزجاج على هذا القول، وقال: تأويله أنه إذا عمي في الدنيا، وقد عرفه الله الهدى، وجعل له إلى التوبة وصلة، فعمي عن رشده، ولم يتب، فهو في الآخرة أشد عمى، وأضل سبيلا، لأنه لا يجد طريقا إلى الهداية.
النظم: قيل في وجه اتصال قوله * (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) * بما قبله، وجوه أحدها: إنه سبحانه ذكر تفضيل بني آدم. ثم بين أن ذلك التفضيل إنما يكون في ذلك اليوم فيستحق المهتدون الثواب بهدايتهم وثانيها: إنها اتصلت بقوله * (إن عذاب ربك كان محذورا) * أي: فاحذروا يوم يدعى كل أمة بإمامهم وثالثها: إنها اتصلت بقوله * (يعيدكم) * أي: يعيدكم يوم يدعو ورابعها: إنه تعالى ذكر فيما تقدم من آمن،