فإن كل انسان يخاف أن لا يقبل فرضه، فيكون نفله كفارة، والنبي لا يحتاج إلى كفارة، عن مجاهد. وقيل: معناه نافلة لك ولغيرك، وإنما اختصه بالخطاب لما في ذلك من دعاء الغير إلى الاقتداء به، والحث على الاستنان بسنته * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * عسى من الله واجبة. والمقام بمعنى البعث، فهو مصدر من غير جنسه أي: يبعثك يوم القيامة بعثا أنت محمود فيه. ويجوز أن يجعل البعث بمعنى الإقامة، كما يقال: بعثت بعيري أي: أثرته وأقمته. فيكون معناه يقيمك ربك مقاما محمودا يحمدك فيه الأولون والآخرون، وهو مقام الشفاعة، تشريف فيه على جميع الخلائق، تسأل فتعطى، وتشفع فتشفع.
وقد أجمع المفسرون على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة، وهو المقام الذي يشفع فيه للناس، وهو المقام الذي يعطى فيه لواء الحمد، فيوضع في كفه، ويجتمع تحته الأنبياء والملائكة، فيكون صلى الله عليه وآله وسلم أول شافع، وأول مشفع * (وقل) * يا محمد. * (رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) * المدخل والمخرج هنا مصدر الإدخال والإخراج، فالتقدير: أدخلني إدخال صدق، وأخرجني اخراج صدق. وفي معناه أقوال: أحدها: إن المعنى أدخلني في جميع ما أرسلتني به إدخال صدق، وأخرجني منه سالما اخراج صدق أي: أعني على الوحي والرسالة، عن مجاهد وثانيها: ان معناه أدخلني المدينة، وأخرجني منها إلى مكة للفتح، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير وثالثها: إنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بهذا الدعاء إذا دخل في أمر، أو خرج من أمر، والمراد: أدخلني كل أمر مدخل صدق، عن أبي مسلم ورابعها: إن المعنى أدخلني القبر عند الموت مدخل صدق، وأخرجني منه عند البعث مخرج صدق، عن عطية، عن ابن عباس. ومدخل الصدق: ما تحمد عاقبته في الدنيا والدين. وإنما أضاف الإدخال والإخراج إليه سبحانه، وإن كانا من فعل العبد، لأنه سأله اللطف المقرب إلى خير الدين، والدنيا.
* (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) * أي: اجعل لي عزا أمتنع به ممن يحاول صدي عن إقامة فرائضك، وقرة تنصرني بها على من عاداني فيك. وقيل: اجعل لي ملكا عزيزا أقهر به العصاة، فنصر بالرعب حتى خافه العدو على مسيرة شهر. وقيل:
حجة بينة أتقوى بها على سائر الأديان الباطلة، عن مجاهد قال: وسماه نصيرا، لأنه تقع به النصرة على الأعداء، فهو كالمعين * (وقل) * يا محمد: * (جاء الحق) * أي:
ظهر الحق، وهو الاسلام والدين * (وزهق الباطل) * أي: وبطل الباطل وهو الشرك،