يترتب في التعظيم حسب ما يراد به، وليس كذلك العبادة، التي هي خضوع بالقلب، ليس فوقه خضوع، لأنه يترتب في التعظيم لجنسه. يبين ذلك أنه لو سجد ساهيا، لم يكن له منزلة في التعظيم، على قياس غيره من أفعال الجوارح.
* (قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي) * أي: قال إبليس أرأيت يا رب هذا الذي فضلته علي، يعني آدم عليه السلام. * (لئن أخرتني إلى يوم القيامة) * أي: لئن أخرت أجل موتي * (لأحتنكن ذريته إلا قليلا) * أي: لأغوين ذريته، وأقودنهم معي إلى المعاصي، كما تقاد الدابة بحنكها، إذا شد فيها حبل تجر به، إلا القليل الذين تعصمهم، وهم المخلصون، عن أبي مسلم، وقيل: لأحتنكنهم أي: لأستولين عليهم، عن ابن عباس. وقيل: لأستأصلنهم بالإغواء من احتناك الجراد الزرع، وهو أن يأكله ويستأصله، عن الجبائي وإنما طمع الملعون في ذلك، لأن الله سبحانه أخبر الملائكة أنه سيجعل في الأرض من يفسد فيها، فكأن العلم قد سبق له بذلك، عن الجبائي. وقيل: لأنه وسوس إلى آدم، فلم يجد له عزما، فقال: إن أولاده أضعف منه، عن الحسن.
* (قال) * الله سبحانه له، على وجه الاستهانة والاستصغار * (اذهب) * يا إبليس * (فمن تبعك منهم) * أي: من ذرية آدم عليه السلام واقتفى أثرك. وقبل منك * (فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا) * أي: موفرا كاملا، لا نقصان فيه، عن الاستحقاق * (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) * أي: واستزل من استطعت منهم، أضلهم بدعائك ووسوستك، من قولهم صوت فلان بفلان إذا دعاه. وهذا تهديد في صورة الأمر، عن ابن عباس. ويكون كما يقول الانسان لمن يهدده: أجهد جهدك، فسترى ما ينزل بك. وإنما جاء التهديد في صورة الأمر، لأنه بمنزلة أن يؤمر الغير بإهانة نفسه.
وقيل: بصوتك أي: بالغناء، والمزامير، والملاهي، عن مجاهد، وقيل: كل صوت يدعى به إلى الفساد، فهو من صوت الشياطين * (واجلب عليهم بخيلك ورجلك) * أي: اجمع عليهم ما قدرت عليه من مكايدك، وأتباعك، وذريتك، وأعوانك. وعلى هذا فيكون الباء مزيدة في * (بخيلك) * وكل راكب أو ماش في معصية الله من الإنس والجن، فهو من خيل إبليس ورجله. وقيل: هو من أجلب القوم وجلبوا أي: صاحوا: أي صح بخيلك ورجلك، واحشرهم عليهم بالإغواء * (وشاركهم في الأموال والأولاد) * وهو كل مال أصيب من حرام وأخذ بغير حقه، وكل ولد زنا، عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد وقيل: إن مشاركتهم في الأموال أنه