ثم احتج سبحانه على المشركين بإعجاز القرآن، فقال: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) * معناه: قل يا محمد لهؤلاء الكفار: لئن اجتمعت الإنس والجن، متعاونين متعاضدين، على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في فصاحته وبلاغته ونظمه، على الوجوه التي هو عليها، من كونه في الطبقة العليا من البلاغة، والدرجة القصوى من حسن النظم، وجودة المعاني، وتهذيب العبارة، والخلو من التناقض، واللفظ المسخوط. والمعنى: الدخول على حد يشكل على السامعين ما بينهما من التفاوت، لعجزوا عن ذلك، ولم يأتوا بمثله.
* (ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * أي: معينا على ذلك، مثل ما يتعاون الشعراء على بيت شعر. فيقيمونه، عن ابن عباس. وفي هذا تكذيب للنضر بن الحارث، حين قال: لو نشاء لقلنا مثل هذا. قال أبو مسلم: وفي هذا أيضا دلالة على أن السؤال بالروح، وقع عن القرآن، لأنه من تمام ما أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيئهم به. * (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) * معناه: لقد بينا لهم في هذا القرآن من كل ما يحتاج إليه من الدلائل والأمثال، والعبر والأحكام، وما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم، ليتفكروا فيها * (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) * أي:
جحودا للحق، والمثل قد يكون الشئ بعينه، وقد يكون صفة للشئ، وقد يكون شبهه.
* (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا (91) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا (92) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه وقل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا (93) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا (94) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا (95)) *.
القراءة: قرأ أهل الكوفة، ويعقوب: * (حتى تفجر لنا) * بفتح التاء، وضم