وقالوا: هؤلاء الفتية قوم آمنوا بالله تعالى، وكانوا يخفون الاسلام خوفا من ملكهم، وكان اسم الملك دقيانوس، واسم مدينتهم أفسوس، وكان ملكهم يعبد الأصنام، ويدعو إليها، ويقتل من خالفه. وقيل: إنه كان مجوسيا يدعو إلى دين المجوس، والفتية كانوا على دين المسيح، لما برح أهل الإنجيل. وقيل: كانوا من خواص الملك، وكان يسر كل واحد منهم إيمانه عن صاحبه، ثم اتفق أنهم اجتمعوا وأظهروا أمرهم، فأووا إلى الكهف، عن عبيد بن عمير. وقيل: إنهم كانوا قبل بعث عيسى عليه السلام.
* (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) * معناه: أنمناهم سنين ذات عدد، وتأويله: فأجبنا دعاءهم، وسددنا آذانهم بالنوم الغالب على نفوذ الأصوات إليها، سنين كثيرة، لأن النائم إنما ينتبه بسماع الصوت. ودل سبحانه بذلك على أنهم لم يموتوا، وكانوا نياما في أمن وراحة وجمام نفس. وهذا من فصيح لغات القرآن التي لا يمكن أن يترجم بمعنى يوافق اللفظ * (ثم بعثناهم) * أي: أيقظناهم من نومهم * (لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) * أي: ليظهر معلومنا على ما علمناه، وذكرنا الوجه في أمثاله فيما سبق. والمعنى: لننظر أي الحزبين من المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف عد أمد لبثهم، وعلم ذلك، وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف بعد خروجهم من بيتهم، فبعثهم الله ليبين ذلك، ويظهر. وقيل: يعني بالحزبين أصحاب الكهف، لما استيقظوا اختلفوا في تعداد لبثهم، وذلك قوله: * (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم) * الآية.
النظم: اتصل قوله * (أم حسبت أن أصحاب الكهف) * الآية. بما قبلها من وجوه أحدها: إنه لما أخبر عن زينة الأرض، وعن الابتلاء، عقبة بذكر الفتية التي تركت زينة الدنيا، واختارت طاعة الله، وفارقت ديارها وأموالها، حثا على الاقتداء بهم والآخر: إنه اتصل بقوله * (فلعلك باخع نفسك على آثارهم) * أي: فلا تأسف عليهم، لأنه لا يضرك كفرهم والله ناصرك وحافظك من أعدائك، كما حفظ أصحاب الكهف والثالث: إنه اتصل بقوله * (ويبشر المؤمنين) * أي وينصرهم كما نصر أصحاب الكهف.
* (نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم