منعهم من الإيمان بعد مجئ الدلالة، ومن أن يستغفروا ربهم على ما سبق من معاصيهم * (إلا أن تأتيهم سنة الأولين) * أي: إلا طلب أن تأتيهم العادة في الأولين، من عذاب الاستئصال، حيث آتاهم العذاب من حيث لا يشعرون، حين امتنعوا من قبول الهدى والإيمان * (أو يأتيهم العذاب قبلا) * أو طلب أن يأتيهم العذاب عيانا مقابلة، من حيث يرونه، وتأويله أنهم بامتناعهم من الإيمان، بمنزلة من يطلب هذا حتى يؤمنوا كرها، لأنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم، وهذا كما يقول القائل لغيره: ما منعك أن تقبل قولي إلا أن تضرب. على أن المشركين قد طلبوا مثل ذلك، فقالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم. ومن قرأ * (قبلا) *: فهو في معنى الأول، ويجوز أن يكون أيضا جمع قبيل: وهو الجماعة، أي: يأتيهم العذاب ضروبا من كل جهة. ثم بين سبحانه أنه قد أزاح العلة، وأظهر الحجة، وأوضح المحجة، فقال:
* (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين) * أي: لم نرسل الرسل إلى الخلق إلا مبشرين لهم بالجنة إذا أطاعوا، أو ومخوفين لهم بالنار إذا عصوا * (ويجادل الذين كفروا بالباطل) * أي: ويناظر الكفار دفعا عن مذاهبهم بالباطل * (ليدحضوا به الحق) * أي: ليزيلوا الحق عن قراره. قال ابن عباس: يريد المستهزئين والمقتسمين وأتباعم، وجدالهم بالباطل، أنهم ألزموه أن يأتي بالآيات على أهوائهم، على ما كانوا يقترحونه، ليبطلوا به ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يقال أدحضت حجته أي:
أبطلتها * (واتخذوا آياتي) * يعني القرآن * (وما أنذروا) * أي: ما تخوفوا به من البعث والنار * (هزوا) * مهزوا به: استهزؤوا به.
* (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا (57) وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا (58) وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا (59)) *.