* (ويقول الانسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا) * هذا استفهام المراد به الانكار والاستهزاء أي: أإذا ما مت أعادني الله حيا. فقال سبحانه مجيبا لهذا الكافر: * (أولا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل) * أي: أولا يتذكر هذا الجاحد، حال ابتداء خلقه، فيستدل بالابتداء على الإعادة. وقيل: إن الانسان هنا مفرد في اللفظ، مجموع في المعنى، يريد جميع منكري البعث * (ولم يك شيئا) * معناه: ولم يك شيئا كائنا، أو مذكورا (سؤال): قيل كيف تدل النشأة الأولى على النشأة الثانية، والواحد منا يقدر على أفعاله كالحركات، والسكنات، والأصوات، وغيرها، ولا يقدر على إعادتها؟
(والجواب): من وجوه أحدها: إنه سبحانه خلق الأجسام والحياة فيها، والبقاء جائز عليها، فيجب أن يقدر على إعادتها، بخلاف أفعالنا، فإنها لا تبقى، ولا يصح الإعادة عليها والثاني: إن الابتداء أصعب من الإعادة، فإذا كان قادرا على الابتداء، فلان يكون قادرا على الإعادة أولى والثالث: إنه سبحانه استدل بخلق الأجسام على أنه قادر لذاته، إذ القادر بقدرة لا يصح منه فعل الأجسام، وإذا كان قادرا لذاته، ويقدر على إيجاد ما يصح وجوده وقتين، قدر على إعادته.
ثم حقق سبحانه أمر الإعادة، فقال. * (فوربك) * يا محمد * (لنحشرنهم والشياطين) * أي: لنجمعنهم، ونبعثنهم من قبورهم، مقرنين بأوليائهم من الشياطين. وقيل: لنحشرنهم، ولنحشرن الشياطين أيضا * (ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا) * أي: مستوفزين على الركب، عن قتادة. والمعنى: يجثون حول جهنم، متخاصمين، ويتبرأ بعضهم من بعض، لأن المحاسبة تكون بقرب جهنم. وقيل:
جثيا أي: جماعات جماعات، عن ابن عباس، كأنه قيل زمرا، وهو جمع جثوة.
وجثوة: هي المجموع من التراب والحجارة. وقيل: معناه قياما على الركب، وذلك لضيق المكان بهم، لا يمكنهم أن يجلسوا، عن السدي * (ثم لننزعن من كل شيعة) * أي: لنستخرجن من كل جماعة * (أيهم أشد على الرحمن عتيا) * أي الأعتى فالأعتى منهم. قال قتادة: لننزعن من كل أهل دين قادتهم ورؤوسهم في الشر. والعتي هاهنا: مصدر كالعتو، وهو التمرد في العصيان. وقيل: يبدأ بالأكثر جرما فالأكثر، عن مجاهد، وأبي الأحوص * (ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا) * أي: لنحن أعلم بالذين هم أولى بشدة العذاب، وأحق بعظيم العقاب، وأجدر بلزوم النار.
* (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71) ثم ننجي الذين