وعلى هذا فتكون آية الليل هي الليل نفسه، وآية النهار هي النهار نفسه، كما يقال نفس الشئ، وعين الشئ، وهذا من عجيب البلاغة. وقيل: إن آية الليل ظلمته، وآية النهار ضوؤه، فالمراد محونا ظلمة الليل بضوء النهار، ومحونا ضوء النهار بظلمة الليل، إلا أنه ذكر أحدهما، وحذف الآخر، لدلالة المذكور على المحذوف.
ثم بين سبحانه الغرض في ذلك، وقال: * (لتبتغوا فضلا من ربكم) * أي:
لتسكنوا بالليل، وتطلبوا الرزق بأنواع التصرف في النهار، إلا أنه حذف لتسكنوا بالليل، لما ذكره في مواضع أخر * (ولتعلموا عدد السنين والحساب) * أي: لتعلموا بالليل والنهار عدد السنين والشهور، وآجال الديون، وغير ذلك من المواقيت، ولتعلموا حسنات أعماركم وآجالكم. ولولا الليل والنهار لما علم شئ من ذلك * (وكل شئ فصلناه تفصيلا) * أي: ميزناه تمييزا ظاهرا بينا، لا يلتبس، وبيناه تبيانا شافيا، لا يخفى.
النظم: اتصلت الآية الأولى بقوله * (عسى ربكم أن يرحمكم) * والوجه فيه أنه لما أمر بني إسرائيل بالرجوع إلى الطريق المستقيم، من التوبة، وقبول الاسلام، بين أن ذلك الطريق هذا الكتاب الذي يدل على ما هو أحسن الأديان. وقيل: يتصل بقوله * (وآتينا موسى الكتاب) * أي كما آتينا التوراة، آتينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم القرآن، الذي يهدي إلى الأحسن الأقوم. وقيل: اتصل بقوله * (سبحان الذي أسرى) * كأنه قال:
أسرى بعبده وأتاه الكتاب الذي هذه صفته، وإنما اتصل قوله * (يدعو الانسان بالشر) * الآية، مما تقدم من بشارة الكفار بالعذاب، فبين عقيبه أنهم يستعجلون العذاب جهلا وعنادا. ثم بين أنه يستجيب لهم ما فيه صلاحهم. ثم بين بالآية الأخرى أنه أنعم عليهم بوجوه النعم، كالليل والنهار، ونحو ذلك، وإن لم يشكروه.
* (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتبا يلقاه منشورا (13) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا (14) من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (15)) *.
القراءة: قرأ أبو جعفر * (ويخرج له) * بضم الياء وفتح الراء. وقرأ يعقوب: