سواه، ولا يمتنع عليه شئ.
واستدلت المجبرة بقوله * (الله تعالى خالق كل شئ) * على أن أفعال العباد مخلوقة لله، لأن ظاهر العموم يقتضي دخول أفعال العباد فيه. وبقوله * (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه) * قالوا: لأنه أنكر أن يكون خالق خلق كخلقه. وأجيب عن ذلك بأن الآية وردت حجة على الكفار، إذ لو كان المراد ما قالوا، لكان فيها حجة لهم على الله، لأنه إذا كان الخالق لعبادتهم الأصنام هو الله، فلا يتوجه التوبيخ إلى الكفار، ولا يلحقهم اللوم بذلك، بل يكون لهم أن يقولوا انك خلقت فينا ذلك، فلم توبخنا على فعل فعلته فينا؟ فيبطل حينئذ فائدة الآية.
وأيضا فإن أكثر أصحابنا لا يطلقون على غيره سبحانه انه يخلق أصلا، فضلا عن أن يقولوا انه يخلق كخلق الله، ولكن يقولون: ان العباد يفعلون ويحدثون.
ومعنى الخلق عندهم الاختراع، ولا يقدر العباد عليه. ومن جوز منهم إطلاق لفظ الخلق في أفعال العباد، فإنه يقول إنه سبحانه إنما نفى أن يكون أحد يخلق مثل خلقه، ونحن لا نقول ذلك، لأن خلق الله اختراع وإبداع وأفعال غيره مفعولة في محل القدرة عليها، مباشرا أو متولدا في الغير، بسبب حال في محل القدرة، ولا يقدر على اختراع الأفعال في الغير على وجه من الوجوه إلا الله سبحانه، الذي أبدع السماوات والأرض وما فيهما، وينشئ الأجناس من الأعراض التي لا يقدر عليها غيره، فكيف يشبه الخلق مع هذا التمييز الظاهر؟ على أن عندهم كل حركة هي كسب للعبد، وفعل الله تعالى، ولا يتميز فقد حصل التشابه هنا. ونحن نقول: إن أحدنا يفعل بقدرة محدثة، يفعلها الله تعالى فيه، والله يفعل لكونه قادرا لذاته، فالفرق والتمييز ظاهر، فعلمنا أن المراد بقوله * (خالق كل شئ) * ما قدمناه من أنه خالق كل شئ يستحق لخلقه العبادة.
* (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال (17) للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا