أنه أخبر في الآية المتقدمة أنه يبين لهم في الآخرة الحق من الباطل، والمحق من المبطل، بيان ضرورة، فأخبر عقيب ذلك أنه يقدر على ذلك أيضا في الدنيا، ولكنه لم يفعل ذلك ليستحق الناس الثواب بأعمالهم.
* (ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون (95) ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (96) من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (98) إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون (99) إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون (100)) *.
القراءة: قرأ أبو جعفر، وابن كثير، وعاصم: * (ولنجزين) * بالنون. والباقون بالياء. وروى عياش، عن أبي عمرو بالنون أيضا.
الحجة: حجة الياء * (وما عند الله باق) *. والنون في المعنى مثل الياء.
اللغة: النفاد: الفناء، ونفد الشئ ينفد نفادا: إذا فني. وأنفد القوم: إذا فني زادهم. ونافدت الرجل مثل حاكمته ومعناه يرجع إلى أن كل واحد من الخصمين يريد نفاد حجة الآخر، ومنه الحديث: إن نافدتهم نافدوك. ومن الناس من يرويه بالقاف. والمعنى: إن قلت قالوا لك. والباقي: هو الموجود المستمر وجوده.
وقيل: الموجود عن وجود من غير فصل، وضده الفاني: وهو المعدوم، بعد الوجود، واختلف المتكلمون في الباقي، فقال البلخي: إنه يبقى بمعنى هو بقاء.
وقال الأكثرون: لا يحتاج إلى معنى به يبقى، والبقاء: هو استمرار الوجود.
والاستعاذة: طلب المعاذ، استفعال من العوذ والعياذ. والله سبحانه معاذ: من عاذ به، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمرأة التي قالت له أعوذ بالله منك: لقد عذت بمعاذ، فالحقي بأهلك. وأصل السلطان: من التسلط، وهو القهر، وإنما سميت الحجة سلطانا، لأن الخصم به يقهر. وقيل: اشتق من السليط، وهو دهن الزيت. وسميت