والأنبياء للميل إليهم، وإنما اختارهم لعلمه بباطنهم. وقيل: معناه إنه أعلم بالجميع، فجعلهم مختلفين في الصور والرزق والأحوال، كما اقتضته المصلحة، كما فضل بعض النبيين على بعض * (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) * والمعنى:
إن الأنبياء وإن كانوا في أعلى مراتب الفضل، فإنهم طبقات في ذلك، وبعضهم أعلى من بعض، بزيادة الدرجة والثواب، وبالمعجزات والكتاب. ولما كان سبحانه عالما ببواطن الأمور، اختارك للنبوة، وفضلك على الأنبياء، كما فضل بعضهم على بعض، فسخر لبعضهم النار، وألان لبعضهم الحديد، وآتى بعضهم الملك، وكلم بعضهم، وكذلك خصك بخصائص لم يعطها أحدا، وختم بك النبوة.
ثم قال: * (وآتينا داود زبورا) * قال الحسن: كل كتاب زبور، إلا أن هذا الاسم غلب على كتاب داود عليه السلام، كما غلب اسم الفرقان على القرآن، وإن كان كل كتاب من كتب الله فرقانا، لأنه يفرق بين الحق والباطل. وقال الزجاج: معنى ذكر داود هنا: إنه يقول لا تنكروا تفضيل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإعطاءه القرآن، فقد أعطينا داود الزبور. ثم قال سبحانه لنبيه، صلى الله عليه وآله وسلم: * (قل) * يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله * (ادعوا الذين زعمتم من دونه) * أنها آلهة عند ضر ينزل بكم، ليكشفوا ذلك عنكم، أو يحولوا تلك الحالة إلى حالة أخرى.
* (فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) * للحالة التي تكرهونها إلى حالة تحبونها، يعني تحويل حال القحط إلى الخصب، والفقر إلى الغنى، والمرض إلى الصحة. وقيل: معناه لا يملكون تحويل الضر عنكم إلى غيركم. بين سبحانه أن من كان بهذه الصفة، فإنه لا يصلح للإلهية، ولا يستحق العبادة. والمراد بالذين من دونه هم الملائكة، والمسيح، وعزير، عن ابن عباس، والحسن. وقيل: هم الجن، لأن قوما من العرب كانوا يعبدون الجن، عن ابن مسعود، وقال: وأسلم أولئك النفر من الجن، وبقي الكفار على عبادتهم. قال الجبائي: ثم رجع سبحانه إلى ذكر الأنبياء في الآية الأولى، فقال: * (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) * ومعناه: أولئك الذين يدعون إلى الله تعالى، ويطلبون القربة إليه بفعل الطاعات * (أيهم أقرب) * أي: ليظهر أيهم الأفضل والأقرب منزلة منه، وتأويله: إن الأنبياء مع علو رتبهم، وشرف منزلتهم إذا لم يعبدوا غير الله، فأنتم أولى أن لا تعبدوا غير الله، وإنما ذكر ذلك حثا على الاقتداء بهم. وقيل: إن معناه أولئك الذين يدعونهم