ثم قال سبحانه: * (قل) * يا محمد لهؤلاء الكفار: * (لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي) * أي: لو ملكتم خزائن أرزاق الله. وقيل: لو ملكتم مقدورات ربي أي:
ما يقدر عليه ربي من النعم، إذ لا يكون له سبحانه موضع يخزن فيه الرحمة، ثم يخرج منه، كما يكون للعباد. ورحمته: نعمته * (إذا لأمسكتم) * شحا، وبخلا * (خشية الانفاق) * أي: خشية الفقر والفاقة، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: خشية أن تنفقوا فتفتقروا، عن السدي، والمعنى لأمسكتم عن الانفاق خشية الفقر للإنفاق * (وكان الانسان قتورا) * أي: بخيلا، عن ابن عباس، وقتادة. وهذا جواب لقولهم:
* (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * ويقال: نفقت نفقات القوم: إذا نفدت، وأنفقها صاحبها أي: أنفدها حتى افتقر. وظاهر قوله * (وكان الانسان قتورا) * العموم. وقد علمنا أن في الناس الجواد، والوجه فيه أحد أمرين: وهو أن يكون الأغلب عليهم من ليس بجواد، فجاز الإطلاق تغليبا للأكثر، وأيضا فإن ما يعطيه الانسان، وإن عد جوادا، بخل في جنب ما يعطيه الله سبحانه، لأن الانسان إنما يعطي ما يفضل عن حاجته، ويمسك ما يحتاج إليه، والله سبحاته لا تجوز عليه الحاجة، فيفيض من النعم على المطيع والعاصي، إفاضة من لا يخاف الحاجة.
* (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فسئل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا (101) قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا (102) فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا (103) وقلنا من بعده لبنى إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا (104) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا (105)) *.
القراءة: قرأ الكسائي وحده: * (لقد علمت) * بضم التاء. والباقون بفتحها.
الحجة: قال أبو علي:: حجة من فتح أن فرعون، ومن كان يتبعه، قد علموا صحة أمر موسى، بدلالة قوله * (لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك) *، وقوله:
* (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) * ومن قال: لقد علمت إذا قيل له: كيف يصح الإحتجاج عليهم بعلمه، وعلمه لا يكون حجة على فرعون، وإنما يكون علم فرعون