يذهب به مع هذه النعم التي لا تحصى كثرة عن الله الذي هو في كل حال محتاج إليه، وهو مظاهره بالنعم عليه. ودخلت * (من) * للتبعيض، لأنه لو قال: وآتاكم كل ما سألتموه، لاقتضى أن جميع ما يسأله العبد يعطيه الله تعالى، والأمر بخلافه، لأن ما فيه مفسدة لا يعطيه الله إياه، وتقديره: وآتاكم من كل ما سألتم شيئا. وقيل: معناه وآتاكم من كل ما بكم إليه حاجة، فما من شئ يحتاج إليه العباد إلا وهو موجود فيما بينهم وهو كقوله * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) *. ولم يخصص كل واحد من الخلق بإيتاء كل ما سأله. وقيل: معناه وآتاكم من كل شئ سألتموه، ولم تسألوه، فما ههنا نكرة موصوفة، والجملة صفة له، وحذف الجملة المعطوفة، وهي لم تسألوه، كقوله * (سرابيل تقيكم الحر) * والمعنى: وتقيكم البرد، وإن فيما أبقى دليلا على ما ألقى.
* (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * أي: لا تقدروا على إحصائها لكثرتها، والنعمة هنا: اسم أقيم مقام المصدر، ولذلك لم يجمع. فبين سبحانه أنه هو المنعم على الحقيقة، وأنه المستحق للعبادة. ويروى عن طليق بن حبيب أنه قال: إن حق الله تعالى أثقل من أن يقوم به العباد، فإن نعم الله أكثر من أن تحصيها العباد، ولكن أصبحوا تائبين، وأمسوا تائبين * (إن الانسان لظلوم) * أي: كثير الظلم لنفسه * (كفار) * أي: كثير الكفران لنعم ربه. وقيل: معناه ظلوم في الشدة يشكو ويجزع، كفار في النعمة يجمع ويمنع. ولم يرد بالإنسان هاهنا العموم، بل هو مثل ما في قوله * (والعصر إن الانسان لفي خسر) *.
النظم: اتصل قوله سبحانه: * (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) * بما تقدم من قوله: * (قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) *، فإنه عقب ذلك بالأمر للمؤمنين بما يوجب النعيم المقيم، ومرافقة الأبرار، ليكون قد عقب الوعيد بالوعد، والعقاب بالثواب، واتصلت الآية الثانية بقوله * (وجعلوا لله أندادا) * فإنه سبحانه لما ذكر ما هم عليه من اتخاذ الأنداد لله سبحانه، بين بعده أن واجب الوجود المستحق للإلهية الذي يحق له العبادة، هو الله الذي خلق السماوات والأرض. الآية.
* (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبنى أن نعبد الأصنام (35) رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني