واستحقوا بذلك تحريم هذه الأشياء عليهم، لتغيير المصلحة عند كفرهم وعصيانهم. ثم ذكر سبحانه التائبين بعد تقدم الوعد والوعيد، فقال: * (ثم إن ربك) * الذي خلقك يا محمد * (للذين عملوا السوء) * أي: المعصية * (بجهالة) * أي:
بداعي الجهل، فإنه يدعو إلى القبيح، كما أن داعي العلم يدعو إلى الحسن.
وقيل: بجهالة السيئات، أو بجهالتهم للعاقبة. وقيل: بجهالة أنها سوء. وقيل:
الجهالة هو أن يعجل بالإقدام عليها، ويعد نفسه التوبة عنها. * (ثم تابوا) * عن تلك المعصية * (من بعد ذلك وأصلحوا) * نياتهم، وأفعالهم * (إن ربك من بعدها) * أي:
من بعد التوبة، أو الجهالة، أو المعصية * (لغفور رحيم) * وأعاد قوله * (إن ربك) * للتأكيد، وليعود الضمير في قوله من بعدها إلى الفعلة.
النظم: إنما اتصل قوله * (وعلى الذين هادوا) * * (وحرمنا ما قصصنا عليك) * بما تقدم ذكره من التحريم والتحليل، ليبين أن ما كانوا يحرمونه ويحللونه بزعمهم، ليس في التوراة، كما أنه ليس ذلك في القرآن. وقيل: ليبين أنه إذا لم يحرم على اليهود جميع الطيبات بعصيانهم، فكيف يحرم على المسلمين ذلك.
* (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين (120) شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم (121) وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين (122) ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (123) إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (124)) *.
المعنى: * (إن إبراهيم كان أمة) * اختلف في معناه، فقيل: قدوة ومعلما للخير. قال ابن الأعرابي: يقال للرجل العالم أمة، وهو قول أكثر المفسرين، وقيل: أراد إمام هدى، عن قتادة وقيل: سماه أمة لأن قوام الأمة كان به وقيل: لأنه قام بعمل أمته وقيل لأنه انفرد في دهره بالتوحيد فكان مؤمنا وحده، والناس كفارا، عن مجاهد * (قانتا لله) * أي: مطيعا له، دائما على عبادته، عن ابن مسعود. وقيل:
مصليا عن الحسن * (حنيفا) * أي: مستقيما على الطاعة، وطريق الحق، وهو الاسلام * (ولم يك من المشركين) * بل كان موحدا * (شاكرا لأنعمه) * أي: لأنعم الله، معترفا