سبحانه والثالث: إن المعنى أنا لا نرسل الآيات، لأن آباءكم وأسلافكم سألوا مثلها، ولم يؤمنوا عندها، وأنتم على آثار أسلافكم مقتدون. فكما لم يؤمنوا هم، لا تؤمنون أنتم، عن أبي مسلم.
* (وآتينا ثمود الناقة مبصرة) * أي: بينة أراد آية مبصرة. كما قال * (وجعلنا آية النهار مبصرة) * ومعناه: دلالة واضحة ظاهرة. وقيل: ذات إبصار. وقيل: تبصرهم وتبين لهم حتى يبصروا بها الهدى من الضلالة، وهي ناقة صالح المخرجة من الصخرة على الصفة التي اقترحوها * (فظلموا بها) * أي: فكفروا بتلك الآية وجحدوا بأنها من عند الله. وقيل: ظلموا أنفسهم بسببها، وبعقرها * (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) * أي: لا نرسل الآيات التي نظهرها على الأنبياء إلا عظة للناس، وزجرا أو تخويفا لهم من عذاب الله، إن لم يؤمنوا. ثم خاطب سبحانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:
* (وإذ قلنا لك) * أي: واذكر الوقت الذي قلنا لك يا محمد * (إن ربك أحاط بالناس) * أي: أحاط علما بأحوالهم، وبما يفعلونه من طاعة أو معصية، وما يستحقونه على ذلك من الثواب والعقاب، وهو قادر على فعل ذلك بهم، فهم في قبضته، لا يقدرون على الخروج من مشيئته، وهذا معنى قول ابن عباس. وقيل: إن المراد به أنه عالم بجميع الأشياء، فيعلم قصدهم إلى إيذائك، إذا لم تأتهم ما اقترحوا منك من الآيات. وهذا حث للرسول صلى الله عليه وآله وسلم على التبليغ، ووعد له بالعصمة من أذية قومه، وهذا معنى قول الحسن. وقيل: معناه إنه أحاط بأهل مكة، فيستفتحها لك، عن مقاتل. وقال الفراء: معناه أحاط أمره بالناس. وقيل: معناه أنه قادر على ما سألوه من الآيات، عالم بمصالحهم، فلا يفعل إلا ما هو الصلاح، فامض لما أمرت به من التبليغ، فإن الله سبحانه إن أنزلها، فلما يعلم في إنزالها من اللطف، وإن لم ينزلها، فلما يعلم من المصلحة، عن الجبائي.
* (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) * فيه أقوال أحدها: إن المراد بالرؤيا، رؤية العين، وهي ما ذكره في أول السورة في إسراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من مكة إلى بيت المقدس، وإلى السماوات، في ليلة واحدة، إلا أنه لما رأى ذلك ليلا، وأخبر بها حين أصبح، سماها رؤيا، وسماها فتنة، لأنه أراد بالفتنة الامتحان، وشدة التكليف، ليعرض المصدق بذلك لجزيل ثوابه، والمكذب لأليم عقابه، وهذا معنى قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، ومجاهد وثانيها: ما روي عن ابن عباس في رواية أخرى: إنها رؤيا نوم رآها