وتعالى عما يقولون. وأما قوله * (تسبح له السماوات) * فكل واحد من الياء والتاء حسن.
المعنى: ثم احتج سبحانه على الذين تقدم ذكرهم، فقال: * (ولقد صرفنا) * أي: كررنا الدلائل، وفصلنا المعاني، والأمثال، وغير ذلك مما يوجب الاعتبار به * (في هذا القرآن ليذكروا) * أي: ليتفكروا فيها، فيعلموا الحق. وحذف ذكر الدلائل والعبر، لدلالة الكلام عليه وعلم السامع به * (وما يزيدهم إلا نفورا) * أي: وما يزداد هؤلاء الكفار عند تصريف الأمثال والدلائل لهم إلا تباعدا عن الاعتبار، ونفورا عن الحق. وأضاف النفور إلى القرآن، لأنهم ازدادوا النفور عند نزوله كقوله * (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) *.
فإن قيل: إذا كان المعلوم أنهم يزدادون النفور عند إنزال القرآن، فما المعنى في إنزاله؟ وما وجه الحكمة فيه؟ قيل: الحكمة فيه إلزام الحجة، وقطع المعذرة في إظهار الدلائل التي تحسن التكليف، وأنه يصلح عند إنزاله جماعة ما كانوا يصلحون عند عدم إنزاله، ولو لم ينزل لكان هؤلاء الذين ينفرون عن الإيمان، يفسدون بفساد أعظم من هذا النفور. فالحكمة اقتضت إنزاله لهذه المعاني، وإنما ازدادوا نفورا عند مشاهدة الآيات والدلائل، لاعتقادهم أنها شبه، وحيل، وقلة تفكرهم فيها.
* (قل) * يا محمد لهؤلاء المشركين: * (لو كان معه آلهة كما يقولون) * هم، أو تقولون أنتم على القراءتين * (إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) * أي: لطلبوا طريقا يقربهم إلى مالك العرش، والتمسوا الزلفة عنده، لعلمهم بعلوه عليهم، وعظمته، عن مجاهد، وقتادة. وقال أكثر المفسرين: معناه لطلبوا سبيلا إلى معازة مالك العرش، ومغالبته، ومنازعته، فإن المشتركين في الإلهية يكونان متساويين في صفات الذات، ويطلب أحدهما مغالبة صاحبه، ليصفو له الملك. وفي هذا إشارة إلى دليل التمانع. ثم نزه سبحانه نفسه من أن يكون له شريك في الإلهية، فقال: * (سبحانه وتعالى عما يقولون) * أي: عن قولهم * (علوا كبيرا) * وإنما لم يقل تعاليا كبيرا، لأنه وضع مصدر مكان مصدر، نحوه قوله: * (تبتل إليه تبتيلا) *. ومعنى تعالى أن صفاته في أعلى المراتب، ولا مساوي له فيها، لأنه قادر لا أحد أقدر منه، وعالم لا أحد أعلم منه وخص العرش بإضافته إليه تعظيما للعرش. ويجوز أن يريد بالعرش الملك.
* (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن) * معنى التسبيح هاهنا: الدلالة