وهم الكفرة والفجرة، فلما حذف المضاف استتر الضمير في اسم المفعول، فأنث المفعول لما جرى على الشجرة. وقوله: * (فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا) * أي: فما يزيدهم التخويف، فأضمر التخويف لجري ذكر الفعل. وانتصب قوله * (طغيانا) * على أنه مفعول ثان لقوله يزيد.
المعنى: ثم زاد سبحانه في الموعظة، فقال: * (و إن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة) * معناه: وما من قرية إلا نحن مهلكوها بإماتة أهلها * (أو معذبوها عذابا شديدا) * وهو عذاب الاستئصال، فيكون هلاك الصالحين بالموت، وهلاك الطالحين بالعذاب في الدنيا، فإنه يفني الناس، ويخرب البلاد قبل يوم القيامة، ثم تقوم القيامة، عن الجبائي، و مقاتل. وقيل: إن المراد بذلك قرى الكفر والضلال، دون قرى الإيمان، والمراد بالإهلاك: التدمير، عن أبي مسلم * (كان ذلك في الكتاب مسطورا) * أخبر أن ذلك كائن لا محالة، ولا يكون خلافه، ومعناه:
كان ذلك الحكم في الكتاب الذي كتبه الله تعالى لملائكته، وهو اللوح المحفوظ مكتوبا. * (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلى أن كذب بها الأولون) * ذكر فيه أقوال أحدها: إن التقدير ما منعنا إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين، ومعناه:
إنا لم نرسل الآيات التي اقترحتها قريش في قولهم: حول لنا الصفا ذهبا، وفجر لنا الأرض ينبوعا، إلى غير ذلك، لأنا لو أرسلناها لم يؤمنوا فيستحقوا المعاجلة بالعقوبة، كما أنا لما أجبنا الأولين من الأمم إلى آيات اقترحوها، فكذبوا بها، عذبناهم بعذاب الاستئصال، لأن من حكم الآية المقترحة أنه إذا كذب بها، وجب عذاب الاستئصال، ومن حكمنا النافذ في هذه الآيات أن لا نعذبهم بعذاب الاستئصال، لشرف محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولما يعلم في ذلك من المصلحة، ولأن فيهم من يؤمن به وينصره، ومن يولد له ولد مؤمن، ولأن أمته باقية، وشريعته مؤبدة إلى يوم القيامة، فلذلك لم نجبهم إلى ذلك، وأنزلنا من الآيات الواضحات، والمعجزات البينات، ما تقوم به الحجة، وتنقطع به المعذرة.
والثاني: إن معناه: إنا لا نرسل الآيات لعلمنا بأنهم لا يؤمنون عندها، فيكون إنزالنا إياها عبثا لا فائدة فيه، كما أن من كان قبلهم لم يؤمنوا عند إنزال الآيات، والمعجزات ضربان: أحدهما: ما لا يصح معرفة النبوة إلا به، وهذا الضرب لا بد من إظهاره، سواء وقع منه الإيمان، أو لم يقع والثاني: ما يكون لطفا في الإيمان، فهذا أيضا يظهره الله سبحانه، وما خرج عن هاتين الصفتين من المعجزات، لا يفعله