فكأنه قال شيئان ضمنا، وقال الأعشى:
فإن تعهديني، ولي لمة، فإن الحوادث أودى بها (1) حمله على الحدثان (2). ويجوز أن يكون التقدير: نسقيكم مما في بطون المذكور. وقيل: إن * (من) * يدل على التبعيض، فكأنه قال نسقيكم مما في بطون بعض الأنعام، لأنه ليس لجميعها لبن. وقوله: * (تتخذون منه) * الضمير في * (منه) * إلى ماذا يعود؟ فيه وجهان أحدهما: إنه يعود إلى المذكور والثاني: انه يعود إلى معنى الثمرات، لأن الثمرات والثمر سواء. وكذا الهاء في قوله * (فيه شفاء للناس) * قيل: يعود إلى الشراب، وهو العسل. وقيل: يعود إلى القرآن، فإذا عاد الضمير إلى الشراب، ارتفع شفاء بالظرف على المذهبين، وتقديره شراب ثابت فيه شفاء.
وإذا عاد الضمير إلى القرآن ففي رفع شفاء خلاف، فإن الظرف لم يجر على مذكور قبله، * (لكيلا يعلم بعد علم شيئا) *: إن نصبت شيئا بعلم، وهو مذهب سيبويه كنت قد أعملت الثاني، وأضمرت المفعول في يعلم على شريطة التفسير. وإن أعملت يعلم. وهو مذهب الفراء، أضمرت لعلم مفعولا، وفصلت بين المعمول والعامل، فجمعت بين مجازين بخلاف مذهب سيبويه.
المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدم من دلائل التوحيد، وعجائب الصنعة، وبدائع الحكمة بقوله: * (وإن لكم في الأنعام) * يعني الإبل، والبقر، والغنم * (لعبرة) * أي: لعظة واعتبارا ودلالة على قدرة الله تعالى * (نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا) * وروى الكلبي عن ابن عباس قال: إذا استقر العلف في الكرش، صار أسفله فرثا، وأعلاه دما، ووسطه لبنا، فيجري الدم في العروق واللبن في الضرع، ويبقى الفرث كما هو، فذلك قوله * (من بين فرث ودم لبنا خالصا) *، لا يشوبه الدم، ولا الفرث.
* (سائغا للشاربين) * أي: جائزا في حلوقهم، والكبد مسلطة على هذه الأصناف، فيقسمها على الوجه الذي اقتضاه التدبير الإلهي. بين سبحانه لمن ينكر