قرأ مفرطون فالمعنى أنه وصفهم الله بأنهم فرطوا في الدنيا، ولم يعملوا فيها للآخرة، وتصديقه قوله: * (يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) *. ومن قرأ مفرطون فالمراد انهم أفرطوا في معصية الله، كما تقول أفرط فلان في مكروهي، وتأويله أنه آثر العجز وقدمه. قال أبو علي: وكأنه من أفرط أي: صار ذا فرط، مثل أقطف وأجرب فهو مقطف ومجرب، فمعناه أنهم ذوو فرط إلى النار، وسبق إليها.
الاعراب: * (الكذب) * مفعول * (تصف) *. و * (أن لهم الحسنى) *: بدل من * (الكذب) *، وتقديره: وتصف ألسنتهم ان لهم الحسنى أي: تصفون ان لهم مع هذا الفعل القبيح الجزاء الحسن، و * (ان لهم النار) * في موضع نصب ب * (جرم) *، والمعنى جرم فعلهم هذا أي: كسب أن لهم النار. وقيل: إن أن في موضع رفع عن قطرب قال: معناه انه وجب ان لهم النار، وانهم مفرطون فيها. * (لتبين لهم) *:
أي: لأن تبين لهم. الجار والمجرور في محل النصب بأنه مفعول له، وكذلك قوله: * (وهدى ورحمة) * وكلاهما معطوف على ما قبله بأنه مفعول له أيضا، أي:
أنزلنا عليك الكتاب بيانا وهدى ورحمة. قال الزجاج: ويجوز في هذا الموضع * (وهدى ورحمة) * بالرفع، فيكون المعنى: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا للبيان، وهو مع ذلك هدى ورحمة.
المعنى: * (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة) * أخبر سبحانه أنه لو كان ممن يؤاخذ الكفار والعصاة بذنوبهم، ويعاجلهم بالعقوبة، لما ترك على وجه الأرض أحدا ممن يستحق ذلك من الظالمين، وإنما قال * (عليها) *، ولم يجر ذكر للأرض في الظاهر، لأن الكلام يدل عليه، فإن العلم حاصل بأن الناس يكونون على ظهر الأرض، ومثله كثير في محاورات العرب، يقولون: ما بين لابتيها مثل فلان، يعنون المدينة. وأصبحت باردة: يريدون الغداة، إذ اللابتان بالمدينة، والإصباح لا يكون إلا غدوة.
وقوله: * (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) * أي: يمهلهم إلى وقت معلوم مسمى، وهو يوم القيامة. وقيل: إلى وقت يعلمه الله تعالى انه لا يكون في بقائهم فيه مصلحة، لأنهم لا يؤمنون، ولا يخرج من نسلهم مؤمن، وإنما يؤخرهم تفضلا منه سبحانه، ليراجعوا التوبة، أو لما في ذلك من المصلحة. واختلف أهل العدل في من المعلوم من حاله أنه لا يؤمن فيما بعد، هل يجوز اخترامه؟ فقال بعضهم: