أي: ألم تتفكروا. وتنظروا * (إلى الطير مسخرات في جو السماء) * أي: كيف خلقها الله خلقة يمكنها معها التصرف في جو السماء، صاعدة ومنحدرة، وذاهبة وجائية، مذللات للطيران في الهواء بأجنحتها، تطير من غير أن تعتمد على شئ * (ما يمسكهن إلا الله) * أي: ما يمسكهن من السقوط على الأرض من الهواء إلا الله، فيمسك الهواء تحت الطير، حتى لا ينزل فيه، كامساك الماء تحت السائح في الماء، حتى لا ينزل فيه، فجعل إمساك الهواء تحتها، إمساكا لها على التوسع، فإن سكونها في الجو، إنما هو فعلها. فالمعنى: ألم تنظروا في ذلك فتعلموا أن لها مسخرا ومدبرا لا يعجزه شئ، ولا يتعذر عليه شئ، وإنه إنما خلق ذلك، ليعتبروا به، فيصلوا إلى الثواب الذي عرضهم له، ولو كان فعل ذلك لمجرد الأنعام على العبيد، لكان حسنا، لكنه سبحانه وتعالى، ضم إلى ذلك التعريض للثواب.
* (إن في ذلك لآيات) * أي: دلالات على وحدانية الله تعالى وقدرته * (لقوم يؤمنون) * لأنهم الذين انتفعوا به. ثم عدد سبحانه نعما أخر في الآية الأخرى، فقال:
* (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) * أي: موضعا تسكنون فيه، مما يتخذ من الحجر والمدر، وذلك أنه سبحانه خلق الخشب والمدر، والآلة التي يمكن بها تسقيف البيوت، وبناؤها * (وجعل لكم من جلود الأنعام) * يعني الأنطاع والأدم * (بيوتا تستخفونها) * أي: قبابا وخياما يخف عليكم حملها في أسفاركم * (يوم ظعنكم) * أي:
ارتحالكم من مكان إلى مكان. وقيل: معنى الظعن سير أهل البوادي لنجعة، أو حضور ماء، أو طلب مرتع.
* (ويوم إقامتكم) * أي: اليوم الذي تنزلون موضعا تقيمون فيه، أي: لا يثقل عليكم في الحالتين * (ومن أصوافها) * وهي للضأن * (وأوبارها) * وهي للإبل * (وأشعارها) * وهي للمعز * (أثاثا) * أي: مالا عن ابن عباس. وقيل: نوعا من متاع البيت من الفراش والأكسية. وقيل: طنافس وبسطا، وثيابا وكسوة، والكل متقارب * (ومتاعا) * تتمتعون به، ومعاشا تتجرون فيه * (إلى حين) * أي: إلى يوم القيامة، عن الحسن. وقيل: إلى وقت الموت، عن الكلبي. ويحتمل أن يكون أراد به موت المالك، أو موت الأنعام. وقيل: إلى وقت البلى والفناء. وفيه إشارة إلى أنها فانية، فلا ينبغي للعاقل أن يختارها على نعيم الآخرة.