البعث أن من قدر على اخراج لبن أبيض سائغ، من بين الفرث والدم، من غير أن يختلط بهما، قادر على اخراج الموتى من الأرض، من غير أن يختلط شئ من أبدانهم بأبدان غيرهم. ثم قال: * (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا) * قيل: معناه ولكم عبرة فيما أخرج الله لكم من ثمرات النخيل والأعناب، عن الحسن. وقيل: معناه من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا. والعرب تضمر ما الموصولة كثيرا. قال سبحانه: * (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما) * أي: ما ثم.
وقيل: إن تقديره ومن ثمرات النخيل والأعناب شئ تتخذون منه سكرا * (ورزقا حسنا) * فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه، والأعناب، عطف على الثمرات أي:
ومن الأعناب شئ تتخذون سكرا، وهو كل ما يسكر من الشراب كالخمر. والرزق الحسن: ما أحل منهما كالخل والزبيب، والرب، والرطب، والتمر، عن ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، ومجاهد، وغيرهم.
وروى الحاكم في صحيحه بالإسناد عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية فقال: السكر: ما حرم من ثمرها، والرزق الحسن: ما أحل من ثمرها. قال قتادة:
نزلت الآية قبل تحريم الخمر، ونزل تحريمها بعد ذلك في سورة المائدة. قال أبو مسلم: ولا حاجة إلى ذلك سواء كان الخمر حراما، أم لم يكن، لأنه تعالى خاطب المشركين، وعدد إنعامه عليهم بهذه الثمرات، والخمر من أشربتهم، فكانت نعمة عليهم. وقيل: إن المراد بالسكر: ما يشرب من أنواع الأشربة، مما يحل. والرزق الحسن: ما يؤكل. والحسن: اللذيذ، عن الشعبي، والجبائي. فالمعنى تتخذون منه أصنافا من الأشربة والأطعمة.
وقد أخطأ من تعلق بهذه الآية في تحليل النبيذ، لأنه سبحانه إنما أخبر عن فعل كانوا يتعاطونه، فأي رخصة في هذا اللفظ، والوجه فيه أنه سبحانه أخبر أنه خلق هذه الثمار لينتفعوا بها، فاتخذوا منها ما هو محرم عليهم، ولا فرق بين قوله هذا، وبين قوله * (تتخذون أيمانكم دخلا بينكم) *. * (إن في ذلك لآية) * أي: دلالة ظاهرة * (لقوم يعقلون) * عن الله تعالى ذلك، ويتفكرون فيه. بين الله سبحانه بذلك أنكم تستخرجون من الثمرات عصيرا يخرج من قشر قد اختلط به، فكذلك الله يستخلص ما تبدد من الميت، مما هو مختلط به من التراب * (وأوحى ربك إلى النحل) * أي:
ألهمها إلهاما، عن الحسن، وابن عباس، ومجاهد. وقيل: جعل ذلك في غرائزها