ولقد عطفن على فزارة عطفة، * كر المنيح (1)، وجلن ثم مجالا والكر: نقيض الفر. قال صاحب العين: الكر: الرجوع عن الشئ. والكر:
الحبل الغليظ، وقيل: الشديد الفتل. والحسرات: جمع الحسرة، وهي أشد الندامة. والفرق بينها وبين الإرادة أن الحسرة تتعلق بالماضي خاصة، والإرادة تتعلق بالمستقبل، لأن الحسرة إنما هي على ما فات بوقوعه، أو ينقضي وقته. والحسرة والندامة من النظائر، يقال: حسر يحسر حسرا وحسرة: إذا كمد على الشئ الفائت وتلهف عليه. وأصل الحسر: الكشف، تقول: حسرت العمامة عن رأسي إذا كشفتها. وحسر عن ذراعيه حسرا. والحاسر: الذي لا درع عليه ولا مغفر.
الاعراب: العامل في (إذ) قوله: شديد العذاب أي: وقت التبرؤ.
وانتصب فنتبرأ على أنه جواب التمني بالفاء، كأنه قال: ليت لنا كرورا فنتبرأ وكلما عطف الفعل على ما تأويله تأويل المصدر نصب بإضمار أن، ولا يجوز إظهارها فيما لم يفصح بلفظ المصدر فيه، لأنه لما حمل الأول على التأويل، حمل الثاني على التأويل أيضا. ويجوز فيه الرفع على الاستئناف أي: فنحن نتبرأ منهم على كل حال. وأما قوله: (لو أن لنا كرة) ففي موضع الرفع لفعل محذوف تقديره: لو صح أن لنا كرة، لأن لو في التمني وفي غيره، تطلب الفعل. وإن شئت قلت: تقديره لو ثبت أن لنا كرة.
وأقول: إن جواب (لو) هنا أيضا في التقدير محذوف، ولذلك أفاد (لو) في الكلام معنى التمني، فيكون تقديره: لو ثبت أن لنا كرة فنتبرأ منهم لتشفينا بذلك، وجازيناهم صاعا بصاع. وهذا شئ أخرجه لي الاعتبار، ولم أره في الأصول، وهو الصحيح الذي لا غبار عليه، وبالله التوفيق. وأما العامل في الكاف من (كذلك) فقوله (يريهم الله) أي: يريهم الله أعمالهم حسرات، كذلك أي: مثل تبرؤ بعضهم من بعض، وذلك لانقطاع الرجاء من كل واحد منهما. وقيل: تقديره يريهم أعمالهم حسرات، كما أراهم العذاب، وذلك لأنهم أيقنوا بالهلاك في كل واحد منهما.
المعنى: لما ذكر الذين اتخذوا الأنداد، ذكر سوء حالهم في المعاد، فقال سبحانه: (إذ تبرأ الذين اتبعوا) وهم القادة والرؤساء من مشركي الانس،