أراد: دليني، ولم يرد رؤية العين.
المعنى: ثم ذكر تمام دعائهما عليهما السلام فقال سبحانه: (ربنا واجعلنا مسلمين لك) أي: قال ربنا واجعلنا مسلمين في مستقبل عمرنا، كما جعلتنا مسلمين في ماضي عمرنا، بأن توفقنا وتفعل بنا الألطاف التي تدعونا إلى الثبات على الاسلام، ويجري ذلك مجرى أن يؤدب أحدنا ولده، ويعرضه لذلك حتى صار أديبا، فيجوز أن يقال: جعل ولده أديبا، وعكس ذلك إذا عرضه للبلاء والفساد، جاز أن يقال: جعله ظالما فاسدا. وقيل: إن معنى مسلمين موحدين مخلصين لك، لا نعبد إلا إياك، ولا ندعو ربا سواك. وقيل: قائمين بجميع شرائع الاسلام، مطيعين لك، لأن الاسلام هو الطاعة والانقياد والخضوع وترك الامتناع.
وقوله: (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) أي: واجعل من ذريتنا أي: من أولادنا. ومن للتبعيض، وإنما خصا بعضهم، لأنه تعالى أعلم إبراهيم عليه السلام أن في ذريته من لا ينال عهده الظالمين، لما يرتكبه من الظلم. وقال السدي: أراد بذلك العرب، والصحيح الأول (أمة مسلمة لك) أي: جماعة موحدة منقادة لك، يعني أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بدلالة قوله: (وابعث فيهم رسولا منهم).
وروي عن الصادق أن المراد بالأمة بنو هاشم خاصة. وقوله (وأرنا مناسكنا) أي: عرفنا هذه المواضع التي تتعلق النسك بها لنفعله عندها، ونقضي عباداتنا فيها على حد ما يقتضيه توفيقنا عليها. قال قتادة: فأراهما الله مناسكهما الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والإفاضة من عرفات، ومن جمع ورمي الجمار، حتى أكمل بها الدين. وقال عطاء ومجاهد: معنى مناسكنا مذابحنا، والأول أقوى.
وقوله: (وتب علينا) فيه وجوه أحدها: إنهما قالا هذه الكلمة على وجه التسبيح والتعبد والانقطاع إلى الله سبحانه، ليقتدي بهما الناس فيها، وهذا هو الصحيح وثانيها: إنهما سألا التوبة على ظلمة ذريتهما. وثالثها: إن معناه: ارجع إلينا بالمغفرة والرحمة، وليس فيه دلالة على جواز الصغيرة عليهم، أو ارتكاب القبيح منهم، لأن الدلائل القاهرة قد دلت على أن الأنبياء معصومون منزهون عن الكبائر والصغائر، وليس هنا موضع بسط الكلام في ذلك.
(إنك أنت التواب) أي: القابل للتوبة من عظائم الذنوب. وقيل: الكثير القبول للتوبة مرة بعد أخرى (الرحيم) بعباده، المنعم عليهم بالنعم العظام، وتكفير