الحجة: حجة من قرأ (وصى) قوله تعالى: (فلا يستطيعون توصية) فتوصية مصدر وصى، مثل قطع تقطعة. ولا يكون منه تفعيل، لأنك لو قلت في مصدر حييت تفعيل، لكان يجتمع ثلاث ياءات، فرفض ذلك. وحجة من قرأ (وأوصى بها إبراهيم) قوله: (يوصيكم الله) (ومن بعد وصية توصون بها أو دين).
اللغة: وصى وأوصى وأمر وعهد بمعنى. وقد قالوا: وصى البيت: إذا اتصل بعضه ببعض. فالوصية كأن الموصي بالوصية وصل جل أمره بالموصى إليه.
الاعراب: (يعقوب): رفع لأنه عطف على (إبراهيم)، والتقدير ووصى إبراهيم ويعقوب وهذا معنى قول ابن عباس وقتادة. وقيل: إنه على الاستئناف كأنه قال: ووصى يعقوب أن يا بني إن الله اصطفى لكم الدين، والأول أظهر. والفرق بين التقديرين أن الأول لا إضمار فيه لأنه معطوف.
والثاني فيه إضمار. والهاء في (بها) تعود إلى الملة. وقد تقدم ذكرها، وهو قول الزجاج. وقيل: إنها تعود إلى الكلمة التي هي (أسلمت لرب العالمين). والألف واللام في (الدين) للعهد دون الاستغراق، لأنه أراد دين الاسلام. وقوله: (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) وإن كان على لفظ النهي لهم عن الموت، فالنهي على الحقيقة عن ترك الاسلام، لئلا يصادفهم الموت عليه، ومثله من كلام العرب: لا أرينك ها هنا. فالنهي في اللفظ للمتكلم، وإنما هو في الحقيقة للمخاطب، فكأنه قال: لا تتعرض لأن أراك بكونك ها هنا. وقوله: (وأنتم مسلمون) جملة في موضع الحال وتقديره: لا تموتوا إلا مسلمين. وذو الحال الواو في (تموتوا) ومعناه: ليأتكم الموت وأنتم مسلمون.
المعنى: لما بين عز اسمه دعاء إبراهيم عليه السلام لذريته وحكم بالسفه على من رغب عن ملته، ذكر اهتمامه بأمر الدين، وعهده به إلى نبيه في وصيته فقال:
(ووصى بها) أي بالملة، أو بالكلمة التي هي قوله (أسلمت لرب العالمين)، ويؤيد هذا قوله تعالى (وجعلها كلمة باقية في عقبه) وقيل: بكلمة لإخلاص، وهي: لا إله إلا الله. (إبراهيم بنيه) إنما خص البنين لأن إشفاقه عليهم أكثر، وهم بقبول