هذا المعنى يؤول ما روي عن الصادق عليه السلام من قوله: من دخل الحرم مستجيرا به، فهو آمن من سخط الله عز وجل، ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة: " إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد من بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من النهار ". فهذا الخبر وأمثاله المشهورة في روايات أصحابنا، تدل على أن الحرم كان آمنا قبل دعوة إبراهيم عليه السلام، وإنما تأكدت حرمته بدعائه عليه السلام. وقيل: إنما صار حرما بدعائه عليه السلام، وقبل ذلك كان كسائر البلاد، واستدل عليه بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة ". وقيل: كانت مكة حراما قبل الدعوة بوجه غير الوجه الذي صارت به حراما بعد الدعوة فالأول: بمنع الله إياها من الاصطلام والائتفاك (1)، كما لحق ذلك غيرها من البلاد. وبما جعل ذلك (2) في النفوس من تعظيمها والهيبة لها. والثاني: بالأمر بتعظيمه على ألسنة الرسل، فأجابه الله تعالى إلى ما سأل، وإنما سأله أن يجعلها آمنة من الجدب والقحط، لأنه أسكن أهله بواد غير ذي زرع ولا ضرع، ولم يسأله أمنها من الائتفاك والخسف الذي كان حاصلا لها. وقيل: إنه عليه السلام سأله الأمرين على أن يديمهما، وإن كان أحدهما مستأنفا، والآخر قد كان قبل. وقوله: (وارزق أهله من الثمرات) أي: أعط من أنواع الرزق والثمرات. (من آمن منهم بالله واليوم الآخر) سأل لهم الثمرات، ليجتمع لهم الأمن والخصب، فيكونوا في رغد من العيش.
وروي عن أبي جعفر عليه السلام أن المراد بذلك أن الثمرات تحمل إليهم من الآفاق.
وروي عن الصادق عليه السلام قال: هي ثمرات القلوب أي: حببهم إلى الناس ليثوبوا إليهم. وإنما خص بذلك من آمن بالله، لأن الله تعالى قد أعلمه أنه يكون في ذريته الظالمون في جواب مسألته إياه لذريته الإمامة بقوله (لا ينال عهدي الظالمين) فخص بالدعاء في الرزق المؤمنين تأدبا بأدب الله تعالى. وقيل: إنه عليه السلام ظن أنه إذا دعا للكفار بالرزق، أنهم يكثرون بمكة ويفسدون فربما يصدون الناس عن الحج، فخص بالدعاء أهل الإيمان.