وقال آخر:
وقالت له العينان: سمعا وطاعة، * وحدرتا كالدر لما يثقب والمشهور فيه قول الشاعر:
امتلأ الحوض، وقال: قطني، * مهلا رويدا قد ملأت بطني وهو قول أبي علي، وأبي القاسم، وجماعة من المفسرين وثانيها: إنه علامة جعلها الله للملائكة إذا سمعوها علموا أنه أحدث أمرا، وهذا هو المحكي عن أبي الهذيل. وثالثها: ما قاله بعضهم: إن الأشياء المعدومة لما كانت معلومة عند الله تعالى، صارت كالموجود، فصح أن يخاطبها، ويقول لما شاء إيجاده منها كن.
والأصح من الأقوال الأول، وهو الأشبه بكلام العرب، ويؤيده قوله تعالى: (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) وإن حمل على القول الثاني، فالمراد أن يقول للملائكة على جهة الإعلام منه لهم، وإخباره إياهم عن الغيب: كن أي:
يقول أكون فيكون فاعل كن الله، وهو في معنى الخبر وإن كان اللفظ لفظ الأمر على ما تقدم بيانه. وقد يجوز على هذا أن يكون فاعل كن الشئ المعدوم المراد كونه، وتقديره يقول من أجله للملائكة يكون شئ كذا، فيكون ذلك على ما يخبر به، لا خلف له، ولا تبديل عما يخبر به. وأما القول الثالث فبعيد لأن المعدوم لا يصح خطابه، ولا أمره بالكون والوجود، ليخرج بهذا الأمر إلى الوجود، لأن ذلك امتثال للأمر، وتلق له بالقبول والطاعة، وهذا إنما يتصور من المأمور الموجود دون المعدوم، ولو صح ذلك لوجب أن يكون المأمور المعدوم فاعلا لنفسه، كما يكون المتلقي لما يؤمر به بالقبول فاعلا لما أمر به، وهذا فاسد ظاهر البطلان.
وقال بعضهم: إنما يقول كن عند وجود الأشياء لا قبلها، ولا بعدها، كقوله تعالى: (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون). وإنما أراد أنه يدعوهم في حال خروجهم لا قبله ولا بعده. وهذا الوجه أيضا ضعيف، لأن من شرط حسن الأمر أن يتقدم المأمور به، وكذلك الدعاء.
وفي هذه الآية دلالة على أنه سبحانه لا يجوز أن يتخذ ولدا، لأنه إذا ثبت أنه منشئ السماوات والأرض، ثبت بذلك أنه سبحانه ليس بصفة الأجسام والجواهر، لأن الجسم يتعذر عليه فعل الأجسام، ومن كان بهذه الصفة لم يجز عليه اتخاذ