النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (جعلت لي الأرض مسجدا، وترابها طهورا ". وقوله: (وسعى في خرابها) أي: عمل في تخريبها. والتخريب: إخراجهم أهل الإيمان منها عند الهجرة. وقيل: هو صدهم عنها، ويجوز حمله على الأمرين. وقيل: المراد المنع عن الصلاة والطاعة فيها، وهو السعي في خرابها.
وقوله: (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) فيه خلاف، قال ابن عباس: معناه انه لا يدخل نصراني بيت المقدس إلا نهك (1) ضربا، وأبلغ عقوبة، وهو كذلك اليوم. ومن قال المراد به المسجد الحرام، قال: لما نزلت هذه الآية أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مناديا فنادى: ألا لا يجحن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بهذا البيت عريان، فكانوا لا يدخلونه بعد ذلك. وقال الجبائي: بين الله سبحانه أنه ليس لهؤلاء المشركين دخول المسجد الحرام، ولا دخول غيره من المساجد. فإن دخل منهم داخل إلى بعض المساجد، كان على المسلمين اخراجه منه، إلا أن يدخل إلى بعض الحكام لخصومة بينه وبين غيره، فيكون في دخوله خائفا من الإخراج على وجه الطرد بعد انفصال خصومته، ولا يقعد فيه مطمئنا كما يقعد المسلم. قال الشيخ أبو جعفر، قدس الله روحه: وهذا يليق بمذهبنا، ويمكن الاستدلال بهذه الآية على أن الكفار لا يجوز أن يمكنوا من دخول المساجد على كل حال. فأما المسجد الحرام خاصة، فيستدل على أن المشركين يمنعون من دخوله، ولا يمكنون منه لحكومة، ولا غيرها، بأن الله تعالى قد أمر بمنعهم من دخوله بقوله: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) يعني المسجد الحرام. وقوله: (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا). وقال الزجاج: أعلم الله سبحانه في هذه الآية، أن أمر المسلمين يظهر على جميع من خالفهم حتى لا يمكن دخول مخالف إلى مساجدهم إلا خائفا، وهذا كقوله سبحانه: (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فكأنه قيل: أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لإعزاز الله الدين إظهاره المسلمين.
وقوله: (لهم في الدنيا خزي) قيل: فيه وجوه أحدها: أن يراد بالخزي أنهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون، عن قتادة. وثانيها: إن المراد به القتل، وسبي الذراري والنساء، إن كانوا حربا، وإعطاء الجزية إن كانوا ذمة، عن الزجاج