المعنى أغفر عوراءه لادخاره، وأعرض عن الشتم للتكرم. وموضع أن الثانية نصب على حذف حرف الجر، يعني بغيا لأن ينزل الله أي: من أجل أن ينزل الله.
المعنى: ثم ذم الله سبحانه اليهود بإيثارهم الدنيا على الدين، فقال:
(بئسما اشتروا به أنفسهم) أي: بئس شيئا باعوا به أنفسهم، أو بئس الشئ باعوا به أنفسهم (أن يكفروا) أي: كفرهم (بما أنزل الله) يعني القرآن، ودين الاسلام المنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فإذا سئل: كيف باعت اليهود أنفسها بالكفر؟ فالجواب: إن البيع والشراء إزالة ملك المالك إلى غيره بعوض يعتاضه منه، ثم يستعمل ذلك في كل معتاض من عمله عوضا، خيرا كان أو شرا. فاليهود لما أوبقوا أنفسهم بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهلكوا، خاطبهم الله بما كانوا يعرفونه، فقال: بئس الشئ رضوا به عوضا من ثواب الله، وما أعده لهم لو كانوا آمنوا بالله، وما أنزل الله على نبيه النار وما أعد لهم بكفرهم. ونظير ذلك الآيات في سورة النساء من قوله: (ألم تر الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) - إلى قوله - (وآتيناهم ملكا عظيما).
وقوله: (بغيا) أي: حسدا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان من ولد إسماعيل، وكانت الرسل قبل من بني إسرائيل. وقيل: طلبا لشئ ليس لهم. ثم فسر ذلك بقوله:
(أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده) وهو الوحي والنبوة. وقوله: (فباءوا بغضب على غضب) معناه: رحبت اليهود من بني إسرائيل بعد ما كانوا عليه من الإنتصار (1) بمحمد، والاستفتاح به، والاخبار بأنه نبي مبعوث، مرتدين ناكصين على أعقابهم حين بعثه الله نبيا، بغضب من الله استحقوه منه بكفرهم.
وقال مؤرج: معنى باءوا بغضب: استوجبوا اللعنة بلغة جرهم. ولا يقال باء مفردة حتى يقال إما بخير وإما بشر. وقال أبو عبيدة: فباؤا بغضب احتملوه، وأقروا به. وأصل البوء: التقرير والاستقرار. وقوله: (على غضب) فيه أقوال أحدها: إن الغضب الأول: حين غيروا التوراة قبل مبعث النبي، والغضب الثاني: حين كفروا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، عن عطاء، وغيره. وثانيها: إن الغضب الأول: حين عبدوا العجل، والثاني: حين كفروا بمحمد، عن السدي. وثالثها: إن الأول: حين