إذا كان مصدقا لكتب الرسل عليهم السلام. وقوله: (فلم تقتلون) وإن كان بلفظ الاستقبال، فالمراد به الماضي. وإنما جاز ذلك لقوله (من قبل) وإن بمعنى الشرط، ويدل على جوابه ما تقدم، وتقديره إن كنتم مؤمنين فلم قتلتم أنبياء الله.
وقيل: إن بمعنى ما النافية أي: ما كنتم مؤمنين.
المعنى: (وإذا قيل لهم) يعني اليهود الذين تقدم ذكرهم (آمنوا) أي:
صدقوا (بما أنزل الله) من القرآن على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والشرائع التي جاء بها.
(قالوا نؤمن بما أنزل علينا) يعنون التوراة (ويكفرون بما وراءه) أي: يجحدون بما بعده يريد الإنجيل والقرآن، أو بما سوى التوراة من الكتب المنزلة، كقوله سبحانه: (وأحل لكم ما وراء ذلكم). وقال ابن الأنباري: تم الكلام عند قوله (بما أنزل علينا) ثم ابتدأ الله بالإخبار عنهم فقال (ويكفرون بما وراءه) أي: بما سواه. (وهو الحق) يعني القرآن (. مصدقا لما معهم) يعني التوراة لأن تصديق محمد، وما أنزل معه من القرآن، مكتوب عندهم في التوراة.
وقال الزجاج: وفي هذا دلالة على أنهم قد كفروا بما معهم، إذ كفروا بما يصدق ما معهم. ثم رد الله تعالى عليهم قولهم (نؤمن بما أنزل علينا) فقال: (قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل) أي: قل يا محمد لهم فلم قتلتم أنبياء الله، وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم، وأمركم فيه باتباعهم، وفرض عليكم طاعتهم وتصديقهم (إن كنتم مؤمنين) بما أنزل عليكم.
وقال الزجاج: إن بمعنى ما هاهنا، كأنه قال: ما كنتم مؤمنين. وهذا وجه بعيد، وإنما قال: (تقتلون) بمعنى قتلتم، لأن لفظ المستقبل يطلق على الماضي، إذا كان ذلك من الصفات اللازمة، كما يقال: أنت تسرق وتقتل، إذا صار ذلك عادة له، ولا يراد بذلك ذمه ولا توبيخه على ذلك الفعل في المستقبل. وإنما يراد به توبيخه على ما مضى، وإنما أضاف إليهم فعل آبائهم وأسلافهم لأحد أمرين:
أحدهما: إن الخطاب لمن شهد من أهل ملة واحدة ومن غاب منهم واحد.
فإذا قتل أسلافهم الأنبياء، وهم مقيمون على مذهبهم وطريقتهم، فقد شركوهم في ذلك. والاخر: إنهم رضوا بأفعالهم، والراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وهذا المعنى قريب من الأول. وفي هذه الآية دلالة على أن الايمان بكتاب من كتب الله، لا يصح إذا لم يحصل الإيمان بما سواه من كتب الله المنزلة التي هي مثله في اقتران المعجزة به.