فيما قبل الموصوف. فإذا كان كذلك حسن الحذف من الصفة، كما يحسن من الصلة في نحو قوله: (أهذا الذي بعث الله رسولا) وقال الأخفش: (شيئا) في موضع المصدر، كأنه قال لا تجزي جزاء، ولا تغني غناء.
وقال الرماني: الأقرب أن يكون (شيئا) في موضع حقا، كأنه قال لا يؤدي عنها حقا وجب عليها. وقوله (ولا يقبل منها شفاعة): موضع هذه الجملة نصب بالعطف على الجملة التي هي وصف قبلها. ومن ذهب إلى أنه حذف الجار، وأوصل الفعل إلى المفعول، ثم حذف الراجع من الصفة، كان مذهبه في لا يقبل أيضا مثله. فمما حذف منه الراجع إلى الصفة قول الشاعر (1): " وما شئ حميت بمستباح ". والضمير في (منها) عائد إلى نفس على اللفظ، وفي قوله (ولا هم ينصرون) على المعنى، لأنه ليس المراد به المفرد، فلذلك جمع.
المعنى: لما بين سبحانه نعمه العظام عليهم، أنذرهم في كفرانها بيوم القيامة، فقال: (واتقوا) أي احذروا، واخشوا (يوما لا تجزي) أي: لا تغني، أو لا تقضي فيه (نفس عن نفس شيئا)، ولا تدفع عنها مكروها.
وقيل: لا يؤدي أحد عن أحد حقا، وجب عليه لله، أو لغيره، وإنما نكر النفس ليبين أن كل نفس، فهذا حكمها. وهذا مثل قوله سبحانه (واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا).
وقوله: (ولا يقبل منها شفاعة) قال المفسرون: حكم هذه الآية مختص باليهود، لأنهم قالوا: نحن أولاد الأنبياء، وآباؤنا يشفعون لنا. فأيأسهم الله عن ذلك، فخرج الكلام مخرج العموم، والمراد به الخصوص. ويدل على ذلك أن الأمة اجتمعت على أن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم شفاعة مقبولة، وإن اختلفوا في كيفيتها. فعندنا هي مختصة بدفع المضار، وإسقاط العقاب عن مستحقيه من مذنبي المؤمنين. وقالت المعتزلة: هي في زيادة المنافع للمطيعين والتائبين دون العاصين، وهي ثابتة عندنا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولأصحابه المنتجبين، والأئمة من أهل بيته الطاهرين، ولصالحي المؤمنين، وينجي الله تعالى بشفاعتهم كثيرا من الخاطئين.
ويؤيده الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول، وهو قوله: ادخرت شفاعتي لأهل