واختلف في كيفية وصول إبليس إلى آدم وحواء حتى وسوس إليهما وإبليس كان قد أخرج من الجنة حين أبى السجود، وهما في الجنة، فقيل: إن آدم كان يخرج إلى باب الجنة، وإبليس لم يكن ممنوعا من الدنو منه، فكان يكلمه، وكان هذا قبل أن أهبط إلى الأرض، وبعد أن اخرج من الجنة، عن أبي علي الجبائي. وقيل: إنه كلمهما من الأرض بكلام عرفاه وفهماه منه. وقيل: إنه دخل في فقم الحية، وخاطبهما من فقمها. والفقم: جانب الشدق (1). وقيل: إنه راسلهما بالخطاب.
وظاهر القرآن يدل على أنه شافههما بالخطاب.
وقوله: " وقلنا اهبطوا " خاطب بخطاب الجمع وفيه وجوه أحدها: إنه خاطب آدم وحواء وإبليس، وهو اختيار الزجاج، وقول جماعة من المفسرين، وهذا غير منكر، وإن إبليس قد أخرج قبل ذلك، بدلالة قوله: (أخرج منها فإنك رجيم) فجمع الخبر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنهم قد اجتمعوا في الهبوط، وإن كانت أوقاتهم متفرقة فيه، كما يقال أخرج جميع من في الحبس، وإن أخرجوا متفرقين. والثاني: إنه أراد آدم وحواء والحية، وفي هذا الوجه بعد، لأن خطاب من لا يفهم الخطاب لا يحسن، ولأنه لم يتقدم للحية ذكر، والكناية عن غير مذكور لا تحسن إلا بحيث لا يقع لبس مثل قوله: (حتى توارت بالحجاب)، وقوله: (ما ترك على ظهرها من دابة) وقولي حاتم:
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى، * إذا حشرجت (2) يوما، وضاق بها الصدر والثالث: إنه أراد آدم وحواء وذريتهما، لأن الوالدين يدلان على الذرية، ويتعلق بهما. والرابع: أن يكون الخطاب يختص بآدم وحواء عليهما السلام، وخاطب الاثنين على الجمع على عادة العرب، وذلك لأن الاثنين أول الجمع. قال الله تعالى (إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين): أراد حكم داود وسليمان. وقد تأول قوله تعالى (فإن كان له أخوة) على معنى فإن كان له اخوان والخامس: آدم وحواء والوسوسة، عن الحسن، وهذا ضعيف وقوله (بعضكم لبعض عدو) يعني آدم وذريته، وإبليس وذريته، ولم يكن من آدم إليه ما يوجب عداوته إياه، ولكن حسده الملعون، وخالفه، فنشأت بينهما العداوة. ثم إن عداوة آدم له إيمان، وعداوة