فعزيمة علي (رضي الله عنه) على من عنده كتاب أن يمحوه وقول أبي سعيد الخدري: " تريدون أن تجعلوها مصاحف " (1) وقول عمر بن الخطاب عند الفكر في كتابة الأحاديث أو بعدم الكتابة " لا كتاب مع كتاب الله " في الرواية الأولى وقوله في الرواية الثانية بعد الاستشارة في كتابتها: " والله إني لا أشوب كتاب الله بشئ أبدا "، وقول ابن عباس: " كنا نكتب العلم ولا نكتبه ". أي لا نأذن لأحد أن يكتبه عنا - ونهيه في الرواية الأخرى عن الكتابة.. ومحو زيد بن ثابت للصحيفة ثم إحراقها وتذكيره بالله من يعلم أنه توجد صحيفة أخرى في موضع آخر ولو بعيدا أن يخبره بها ليسعى إليها ويحرقها - وقول سعيد بن جبير عن ابن عمر، إنه لو كان يعلم بأنه يكتب عنه لكان ذلك فاصلا بينهما، ومحو عبد الله بن مسعود للصحيفة التي جاءه بها عبد الرحمن بن الأسود وعلقمة وقوله عند ذلك " إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره ".
كل هذا الذي أورده ابن عبد البر وأمثاله مما رواه غيره كإحراق أبي بكر لما كتبه (2) وعدم وصول شئ من صحف الصحابة إلى التابعين وكون التابعين لم يدونوا الحديث لنشره إلا بأمر الأمراء - يؤيد ما ورد من أنهم كانوا يكتبون الشئ لأجل حفظه ثم يمحونه. وإذا أضفت إلى هذا ما ورد في عدم رغبة كبار الصحابة في التحديث بل في رغبتهم عنه بل في نهيهم عنه (3) - قوى عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث (كلها) دينا عاما دائما كالقرآن. ولو كانوا فهموا عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه يريد ذلك لكتبوا ولأمروا بالكتابة، ولجمع الراشدون ما كتب وضبطوا ما وثقوا به وأرسلوه إلى عمالهم ليبلغوه ويعملوا به، ولم يكتفوا بالقرآن