إثبات القواعد الكلية وإنما كان ذلك لأمرين:
أحدهما: أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه صلى الله عليه وسلم ولم تنقل بتلك الألفاظ جميعها نحو ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم " زوجتكها بما معك من القرآن وملكتكها بما معك " (1) وغير ذلك من الألفاظ الواردة في هذه القصة فتعلم يقينا أنه صلى الله عليه وسلم لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ، بل لا نجزم بأنه قال بعضها إذ يحتمل أنه قال لفظا مرادفا لهذه الألفاظ غيرها فأتت الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه، إذ المعنى هو المطلوب ولا سيما مع تقادم السماع وعدم ضبطه بالكتابة والاتكال على الحفظ والضابط منهم من ضبط المعنى (2) وأما ضبط اللفظ فبعيد جدا لا سيما في الأحاديث الطوال، وقد قال سفيان الثوري: إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني إنما هو المعنى. ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم يروون بالمعنى.
الثاني: أنه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث، لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون ذلك، وقد وقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب - ونعلم قطعا من غير شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح الناس فلم يكن يتكلم إلا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها.. والمصنف " أي ابن مالك " قد أكثر من الاستدلال بما ورد في الأثر متعقبا بزعمه على النحويين - وما أمعن النظر في ذلك ولا صحب من له التمييز - وقد قال لنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة - وكان ممن أخذ عن ابن مالك قلت له يا سيدي: هذا الحديث رواية الأعاجم ووقع فيه من روايتهم ما يعلم أنه ليس من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم! فلم يجب بشئ: قال أبو حيان: وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة لئلا يقول المبتدئ، ما بال النحويين، يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر ولا يستدلون بما روى في الحديث بنقل العدول كالبخاري ومسلم وأضرابهما فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث ه.