تعمد الترك بل ظاهره إن الغسل بسبب احتراق كل القرص ولا بعد فيه لجواز أن يجب أو يستحب الغسل بسبب الكسوف لأنه محل الفزع إلى الله تعالى واللجاء إليه فلا يبعد حسن التطهر وعلى هذا يبعد القول باستحباب الغسل للكسوف للرواية مع صحة سندها إن لم نقل بالوجوب لعدم ظهورها فيه وعدم قول من الأصحاب ولا تظنن إن القول بالاستحباب أيضا أحداث قول جديد لما سيظهر من الكلام الذي نقله عن العلامة (ره) في المختلف من وجود القول به لكن يخدشه جواز حملها على العهد إذ يجوز أن يكون الغسل لقضاء الكسوف دونه معلوما شايعا بينهم فيكون قوله (عليه السلام) وغسل الكسوف إشارة إليه وقوله إذا احترق إلى بيان اشتراطه باستيعاب الاحتراق لا يقال صرف الكلام عن الظاهر بمجرد الاحتمال غير جايز وإلا لارتفع الأمان عن الظواهر لان هذا الاحتمال ظاهر لشيوع ذلك الغسل للقضاء بينهم وورود الروايات فيه هذا واحتج العلامة (ره) في المختلف على الاستحباب بأصالة البراءة وقوله (عليه السلام) من فاتته صلاة فليصلها كما فاتته وكما لا يجب في الأداء الغسل بل هو مستحب كذلك للقضاء ولحديث سعد عن الصادق (عليه السلام) المنقول سابقا من أن الأغسال أربعة عشر واحد فريضة والباقي سنة والجواب عن الثاني إن غاية ما يستفاد من الخبر أن صلاة القضاء يجب أن يكون مثل الأداء فيما هو داخل في حقيقة الصلاة وأما في الأمور الخارجة فلا وعن الثالث بما مر من أن السنة لا ظهور لها في الاستحباب وعلى تقدير الظهور أيضا نقول إن الحمل عليه مستلزم للتخصيص البتة لوجوب بعض الأغسال الأخر اتفاقا والتخصيص لا رجحان له على المجاز فلم لم يجوز فيها بحملها على المعنى الثابت بالسنة مثلا وأما أصل البراءة فإنما يتمسك به إذا لم يكن مخرج عن الأصل وقد ذكرنا ما هو المخرج لكن لا يخفى أن الكلام في صلاحيته للاخراج لان مرسلة الصدوق (ره) وإن كانت معتبره بحكمه (ره) بصحة جميع ما في الكتاب وإنه حجة فيما بينه وبين الله تعالى خصوصا مع اعتضادها بالمرسلة الأخرى وتأييدها في الجملة بالصحيحة الأخرى لكنها ليست مما لم يناقش فيه ولم يكن للكلام فيه مجال كما لا يخفى خصوصا مع عدم اشتهار العمل بين الأصحاب ومع هذا كله ظهور الدلالة على الوجوب أيضا ظهورا يصلح للاعتماد غير ظاهر وما ذكرنا سابقا من وجه الظهور ليس مما يسكن إليه ويعتمد عليه فأذن الحكم بالوجوب مشكل فينبغي إبقاء الأصل على حاله لكن لا بد من الاحتياط التام فيه وعدم الترك مهما أمكن لان الخطب أعظم من ذلك وقد ظهر في طي ما ذكرنا إن كلام المفيد والمرتضى (ره) لو حملا على ظاهرهما وجعلا قولا ثالثا لكان هو مما لا دليل عليه لان الروايات المذكورة الحكم في اثنين منهما مقيد بالاستيعاب صريحا وفي الأخرى أيضا لا بد من التقييد لما ذكرنا وقد يقال أنه يمكن حمل الرواية على ظاهرها والجمع بينها وبين ما يدل على عدم القضاء في صورة عدم الاستيعاب بأن يحمل قوله (عليه لسلام) وإن لم يستيقظ على أن في صورة عدم العلم بالانكشاف و يجب القضاء في الجملة وهو حال الاستيعاب لا أنه يجب القضاء في جميع أفراده بخلاف الغسل إذ لم يجب أصلا ويخلو من بعد أو يحمل الامر بالقضاء مطلقا على نفي الاستحباب وما يدل على نفي القضاء في صورة عدم الاستيعاب على نفي الوجوب وهذا موقوف على وجود القول بالاستحباب لئلا يكون خلافا للاجماع وأما على مذهب المفيد (ره) من وجوب القضاء مع احتراق البعض؟ فلا إشكال ولا يخفى عليك أن المطلق وإن لم يجب حمله على المقيد في مثل هذا المقام لكن لا شك إن التقييد في الروايتين المذكورتين إنما يضعف الظن بإطلاق هذه الرواية خصوصا مع وجود المعارض للاطلاق والاحتياج إلى ارتكاب مثل التوجيهين المذكورين مع ما فيهما من الخدشة وخصوصا مع العمل بمفهوم الشرط فالأولى الاقتصار في الحكم بالاستحباب على صورة الاستيعاب فإن قلت قول المفيد (ره) والمرتضى (ره) بالاستحباب يكفي في الحكم به لدلالة حسنة من سمع شيئا المتقدمة قلت الحكم بالاستحباب وإن كان يكتفي فيه بأدنى مستند لكن الظاهر أنه لا بد أن يكون مستندا إلى رواية من أصحاب العصمة وظهور دلالة الرواية مع عدم العلم بوضعها وأما قول بعض العلماء بالاستحباب الظاهر أنه من الاجتهاد المظنون الخطأ فلا عبرة به وكذا الشهرة التي يظن أنها ناشية من الاجتهاد ومع ظن خطأه هذا واستقرب العلامة في النهاية استحبابه لجاهل وجوب الصلاة أيضا وفيه إشكال إذ لا ظهور للروايتين في شمول الحكم له مع وجود النسخة المذكور الظاهرة في المتعمد وكون حكمه حكم المتعمد في بعض الصور لا يستلزم الكلية (والتوبة) مستندها ما رواه الشيخ في التهذيب في باب الأغسال قال روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) إن رجلا جاء إليه فقال أن لي جيرانا ولهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا مني لهن فقال (عليه السلام) لا تفعل فقال والله ما هو شئ آتيه برجلي إنما هو سماع إسماعه بأذني فقال الصادق (عليه السلام) تالله أنت أما سمعت الله يقول أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا فقال الرجل كأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله عز وجل من عربي ولا عجمي لا جرم وأني قد تركتها فأنى استغفر الله تعالى فقال له الصادق (عليه السلام) قم واغتسل وصل ما بدا لك فلقد كنت مقيما على أمر عظيم ما أسوء حالك لو مت على ذلك استغفر الله وأسئله التوبة من كل ما يكره فإنه لا يكره إلا القبيح والقبيح دعه لأهله فإن لكل أهلا وهذه الرواية في أواخر كتاب اشتريته وفي الكافي أيضا في باب الغناء مسندة وفي الفقيه أيضا في باب علة الأغسال مرسلة ثم إن بعض الأصحاب كالعلامة (ره) في القواعد قال باستحباب الغسل للتوبة عن فسق أو كفر وقال شارحه المحقق (ره) لا فرق في الفسق بين كونه عن صغيرة أو كبيرة وعن المفيد (ره) التقييد بالكبائر والخبر يدفعه انتهى وفيه نظر لأن الظاهر أن الخبر هو الذي ذكرناه دون غيره
(٤٦)