ماء الاستنجاء من رواية الأحول والفضيل وعبد الكريم وعلى الجزء الثالث بأن الحكم بالنجاسة يحتاج إلى الدليل وليس في الشرع ما يدل عليه وبأنه لو حكم بالنجاسة لما طهر الاناء أبدا (وفيه نظر) أما في دليله الأول فلأنك قد عرفت مرارا إن أدلة نجاسة القليل لا عموم له أو إنما يكون مناط التعميم في بعض الصور عدم القول بالفصل والشهرة بين الأصحاب وهما مفقودان فيما نحن فيه والأولى أن يقال غاية ما يدل عليه أدلة نجاسة القليل نجاسته بورود النجاسة عليه وأما العكس فلا فحينئذ لو اشترطنا في التطهير الورود كما هو رأي الشيخ لا نسلم جريان تلك الأدلة في الغسالة وهو ظاهر وأما في الثاني فلان هذه الرواية لم يوجد في الكتب الأربعة ولم يظهر حال سندها فلعله لا يكون معولا عليه وكان الشيخ إنما أخذها من كتاب العيص حيث ذكر في الفهرست أن له كتابا وقال في التهذيب والاستبصار إنه إذا ترك فيهما بعض إسناد حديث يبدء في المذكور منه باسم الرجل الذي أخذ الحديث من كتابه فعسى أن يكون نقل في الخلاف جاريا على تلك القاعدة فحينئذ يقرب أمر الاسناد لكن الاعتماد على مجرد هذا الاحتمال مشكل مع أنها مضمرة وأيضا وجوب العمل بمجرد الرواية بدون انضمامها بعمل الأصحاب جميعا أو الأكثر غير ظاهر فإثبات الحكم المخالف للأصل بها لا يخلو من إشكال ويرد على الشيخ أيضا إنه لو تم هذان الدليلان لدلا على النجاسة في المرة الثانية أيضا بناء على إطلاقها فالتخصيص بالأولى مما لا وجه له وأما في الثالث فلان الدليل موجود على زعمه وهو ما ذكروه في الجزء الأول وأما في الرابع فلعدم دلالة الروايات على المتنازع فيه أصلا وأما في الخامس فبمثل ما مر في الثالث وأما في السادس فلمنع المنافاة بين النجاسة وطهر الاناء إذ لا استبعاد في أن يقول الشارع إذا صببت عليه الماء مرتين يطهر الاناء ويكون الماء نجسا والاجماع على عدم تطهير النجس إنما هو فيما إذا كان نجسا قبل الوصول إلى المحل وأيضا لو تم هذا الدليل لزم الحكم بالطهارة في غسالة الثياب أيضا وقد يستدل أيضا على الجزء الثاني بأن المحل بعد الأخيرة طاهر مع بقاء بعض مائها فيه والماء الواحد لا يختلف إجرائه في الطهارة والنجاسة (ويجاب) باختصاص المتصل بالعضو للجرح والضرورة بخلاف المنفصل ويعارض أيضا بماء الأولى للقطع ببقاء شئ منه ويمكن دفع المعارضة بأن ماء الأولى المتخلف في الثوب يمكن أن يقول الشيخ بنجاسته لكن يطهر في المرة الثانية بخلاف ماء الثانية إذ لا مطهر له وفي الجواب الأول أيضا كلام بيانه إنه كما ثبت بالعمومات نجاسة كل قليل بالملاقاة كذلك ثبت تنجيس كل نجس رطب ما يلاقيه فحينئذ تخصيص العموم الثاني ليس بأولى من تخصيص الأول بل الامر بالعكس لتأييده بالأصل لكن الشأن في إثبات العموم الثاني إذ ليس يوجد في الروايات وإنما التعويل فيه على الاجماع ولا يوجد فيما نحن فيه فتدبر (ولا يذهب) عليك إن مختار الخلاف لو كان هو الاحتمال الأول من الاحتمالين فالدليل المذكور في الجزء الأول على تقدير تمامه لا يدل عليه إلا إذا ضم إليه أن النجاسة اليقينية لابد لها من مزيل يقيني والزايد على المرتين منتف بالاتفاق ولا دليل على ما دونه فتعين هو وللمنع مجال (وأما ما ذهب) إليه في المبسوط فاستدل عليه بما نقلنا آنفا من أن ما يبقى في الثوب جزء منه وهو طاهر بالاجماع فيكون المنفصل أيضا كذلك وفيه إن المراد بما يبقى في الثوب هو الباقي في المرة الثانية أو الأعم فإن كان الثاني فالاجماع ممنوع وإن كان الأول فنقول هب أن الاجماع واقع على طهارته لا العفو عنه لكن لا يثبت هذا المدعى بتمامه إذ اللازم منه طهارة ماء الغسلة الثانية لا مطلقا واستدل أيضا بأنه لو كان نجسا لما أفاد التطهير والجواب منع الملازمة نعم النجس قبل ملاقاة المحل لا يفيد التطهير وأنت خبير بإمكان إجزاء الكلام المذكور آنفا فيه مع ما فيه فتدبر والعلامة في المختلف والتزم في جواب هذا الاستدلال إنه ليس بنجس حال الاتصال بالمحل لكنه ينجس بعد الانفصال وهو ضعيف جدا إذ ملاقاة النجس لو كان منجسا للقليل مطلقا سواء ورد عليه أو لا فيلزم أن ينجس الماء المتصل أيضا غايته أن يستفاد العفو عنه من دليل آخر وإن لم يكن منجسا مطلقا فما الدليل على نجاسته بعد الانفصال فإن قيل قد دلت الروايات على أن القليل إذا لاقى النجاسة ينجس دائما حتى يطرء عليه مطهر شرعي لكن الروايات المتضمنة للامر بغسل النجس بالقليل قد خصت من هذا العموم بعض الأوقات وهو حال الاتصال ضرورة أن النجس لا يفيد التطهير فبقي باقي الأوقات وهو حال الانفصال بحاله حتى يرد عليه مطهر شرعي قلت لا شك إن ملاقاة النجاسة مقتضية للتنجيس ودوام النجاسة حتى يرد المطهر إنما هو فيما حصلت نجاسته عند الملاقاة فيستصحب حكمها فلو سلم إن عند الملاقاة لا يحصل النجاسة فلا معنى لحصولها بعد الانفصال وارتفاع الملاقاة وإنكار هذا مكابرة صرفة نعم لو قيل بالعفو عنه حال الاتصال وعدم العفو حال الانفصال لم يكن بعيدا لكن ليس الكلام فيه ثم إن هذا المذهب لو كان محمولا على الاحتمال الأول من الاحتمالين المذكورين كما هو الظاهر فتقريب الاستدلالين ظاهر وكذا ورود الممنوع المذكورة وإن كان محمولا على الاحتمال الثاني فيصير بعينه مثل المذهب الأول على الاحتمال الثاني ويرجع الدليل الأول إلى ما ذكرنا آخرا من الدليل على الجزء الثاني من المذهب الأول وحينئذ يندفع عنه ما ذكرنا بقولنا هب أن الاجماع الخ لكن على هذا لا يكون هذا الدليل دليلا على تمام المدعى كما لا يخفى وأما الدليل الثاني فتقريبه حينئذ إن المراد إن ما يكون حكمه حكم المحل لا يمكن أن يحدث في المحل طهارة ما فلا بد أن يكون الماء في كل غسلة حالة أعلى من المحل في هذا الحال فيجب أن يكون في الغسلة الأولى حاله مثل
(٢٥٥)