فيه بالأولوية فبأن يمنع الأولوية ويسند بأن المحدث لما كان ارتفاع حدثه يحصل بسهولة ولا يتوقف على زمان طويل ومهلة فلم يجز له الكتابة حتى يتطهر وأما الحايض فلما كان ارتفاع حدثها يتوقف على مهلة ومضي زمان كثير يمكن أن يمس الحاجة فيه كثيرا إلى الكتابة فأجيز لها الكتابة لما في منعها في ذلك الزمان الطويل من احتمال الضرر وتعطل أمرها كما لا يخفى وأما على الوجه الثاني فبأن يقال أن في رواية علي (ره) قد سئل عن الرجل فلا يكون الرواية الثانية الحاكمة بجواز الكتابة للحايض معارضة له والقول بأن الفرق بينهما مما لا يعقل مندفع بما ذكرته من سند المنع آنفا وعلى تقدير تسليم أن يكون المسؤول عنه أعم من الرجل والمرأة أيضا فنقول أن تعارضهما ليس من باب التعارض الذي الذي يجب الجمع بينهما بحمل أحدهما على الكراهة وغير ذلك بل من باب تعارض العام والخاص المتعارف في العمومات والمخصصات فليخصص العام بالخاص فيخرج ما يخرج ويبقى الحكم فيما عداه وأما حديث أن إخراج الحايض في هذا الحكم عن تحت المحدث مع أن حدثهما قد تضاعف غير معقول فقد عرفت ما يندفع به أولا وأما الايراد على المعارضة بأن وجه الجمع بينهما غير منحصر في حمل رواية علي بن جعفر (ره) على الكراهة فلنحملها على أن المراد فيها تحريم كتابة القرآن بقصد أن يصير مصحفا والمحكوم بجوازه في الرواية الأخرى كتابة القرآن في التعويذ فلا منافاة فلا يخلو عن بعد لاباء قوله أيحل له أن يكتب القرآن في الألواح عن هذا الحمل كما يحكم به الوجدان والايراد بأنه يمكن الجمع أيضا بأن تحمل الرواية الأولى على الكتابة التي يقع فيها المس والثانية على التي لا يقع فيها كما يدل عليه عجزها لا يخلو عن قوة وإن كان في حمل الرواية الأولى على المعنى المذكور تكلف لما ذكرنا سابقا من حكاية الاطلاق وترك الاستفصال مع أن في الايرادين أن الاحتمال لا ينفع في الاستدلال فأحسن التدبر وأتقن وثالثها بأن يقال على الوجه الأول إن الأولوية التي تدعونها في الاستدلال ممنوعة بل هي من باب القياس الذي لا نعمل ولا نقول به وحينئذ فإن ثبت الاجماع على جواز الكتابة للمحدث فليحمل الرواية على الكراهة وإلا فلنحكم بمقتضاها من حرمة الكتابة وأما تعديته إلى المس فلا وفيه بعد وعلى الوجه الثاني إن عدم نقل الخلاف لا يدل على الاجماع فيمكن حمل الرواية على إرادة حرمة الكتابة لنفسها وعلى تقدير التسليم أيضا فلا نسلم إن الغالب في الكتابة حصول المس وهو ظاهر فإذا حملتم الرواية الحاكمة بحرمة الكتاب مطلقا على أن الحكم بالحرمة إنما يكون باعتبار المس الذي يقع فيه في بعض الأحيان وارتكبتم هذا التوجيه البعيد فلم لا تحملونه على الكراهة مع كونه أقرب إذ ليس لفظ لا تحل مما يكون نصا في التحريم فتأمل الثالث ما رواه في التهذيب قيل رواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة وفي الاستبصار أيضا كذلك عن أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن قرء في المصحف وهو على غير وضوء قال لا بأس ولا يمس الكتاب وهذه الرواية في الكافي أيضا بعينها في باب الجنب يأكل ويشرب بلا تفاوت في المتن والسند ويورد عليهما أما أولا فبالطعن في السند لان فيه الحسين بن المختار وهو وإن نقل ابن عقدة عن الحسن بن الفضال توثيقه لكن قيل أنه واقفي وأبو بصير أيضا فيه كلام وسنفصل القول فيه إنشاء الله تعالى فيما بعد وأما ثانيا فبعدم صراحتها في التحريم لأنه يمكن أن يكون نفيا وعلى تقدير كونه نهيا أيضا لا ظهور له في التحريم وقد مر مرارا الرابع ما رواه أيضا في التهذيب قبل الرواية السابقة وكذا في السرائر عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان إسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام) عنده فقال يا بني أقرأ المصحف فقال أني لست على وضوء فقال لا تمس الكتاب ومس الورق واقرئه وهذا الاستدلال أيضا ضعيف بالارسال وعدم الظهور في التحريم كما مر غير مرة هذا ما وجدنا مما يمكن أن يستدل به على التحريم ولم نقف على دليل آخر وقد عرفت حال جميعها من عدم صلاحيتها لتحصيل الظن الصالح المعول عليه والأصل براءة الذمة حتى يثبت شغلها بدليل صالح فأذن الحكم بالحرمة مشكل لكن لما تكاثرت وتظافرت الاخبار ولم يوجد معارض قوي يوجب حملها على الكراهة أو شئ آخر غير الحرمة واشتهر أيضا بين الأصحاب الحكم بالوجوب فالأولى والأحوط أن لا يترك العمل بما حكم به الأصحاب فإن الرشد في متابعتهم والله هو الهادي إلى سبيل الرشاد واعلم أنه على تقدير ثبوت حرمة المس للمحدث إنما يكون القول بوجوب الوضوء للمس الواجب مبنيا على القول بوجوب مقدمة الواجب لأنه إذا كان المس محدثا حراما فيجب تركه وترك المس محدثا أما بترك المس مطلقا أو بتركه على هذا الحال والمفروض عدم جواز الأول فيكون الثاني واجبا وهو يتوقف على الوضوء فيكون واجبا هذا ثم إن ها هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها الأول إن حرمة المس على تقدير ثبوتها هل تختص بالمس بالجسد أم يشتمل المس بالكم وغيره أيضا الظاهر عدم الشمول لان المس ظاهره عرفا ما يكون بالجسد وعلى تقدير عدم ظهوره فيه لا ريب في عدم ظهوره عند الاطلاق في المعنى الشامل للمس بالكم ونحوه فيكون من الافراد المشكوكة للمس والقول بأن التكليف اليقيني لا بد في امتثاله من الاتيان بالافراد المشكوكة أيضا حتى يخرج عن العهدة بيقين مما يعسر إثباته بل القدر الثابت إن الاتيان بالقدر اليقيني أو الظني كاف في الامتثال وأيضا الظاهر أنه لم يقل أحد من علمائنا بتحريم المس بالكم ونحوه الثاني أن تحريم المس بظاهر الجسد مختص بباطن الكف أو لا الظاهر عدم الاختصاص لتناوله له عرفا وقيل باختصاصه بما تحله الحياة لان ما لا تحله الحياة لان ما لا تحله الحياة لا يتعلق به حكم الحدث وهو ضعيف لأنه إذا صدق المس على المس بذلك الجزء فلا شك في دخوله
(١٤)