وبهذا ظهر الجواب عن الاستدلال بالخبر المتقدم من قوله (عليه السلام) الصلاة ثلاثة أثلاث لأنه يمكن أن يكون حكمه (عليه السلام) بأن الطهور ثلث الصلاة من باب المبالغة المتعارفة وتنزيل كونه شرطا ضروريا ثابتا شرطيته في جميع الأحوال بخلاف ساير الشروط الأخر مثل طهارة الثوب وغير ذلك بمنزلة الجزئية وليس هذا حملا على خلاف الظاهر خصوصا مع وجود الأدلة الدالة ظاهرا على خروجه من الصلاة مثل الآية الكريمة ونحوها وحينئذ نقول أنه بمحض الشرطية للواجب لا يلزم الوجوب كما عرفت على إنا لو سلمنا جزئيته للصلاة ودلالة الخبر عليها لكان الاستدلال أيضا غير تام إذ وجوب جزء الواجب أيضا غير ثابت بل التحقيق أنه بمنزلة الشرط فمن لم يسلم وجوب الشرط فله أن لا يسلم وجوبه أيضا وتحقيقه في الأصول والاستدلال بالخبر الاخر من قوله (عليه السلام) افتتاح الصلاة الوضوء فهو أضعف من سابقه إذ ليس فيه دلالة على الجزئي أصلا كما لا يخفى بل على الشرطية أيضا وإيرادنا له في طي أدلة الاشتراط بناء على التسامح وكذا في بعض آخر كما أشرنا إليه في صدر الباب أيضا وقس عليهما حالا الاستدلال برواية عبد الله بن زرارة المتقدمة من قوله (عليه السلام) الوقت والطهور آه وأما الاستدلال عليه بالاجماع ففيه أيضا شك لان الوجوب بمعنى اللابدية والوجوب بمعنى استحقاق الذم على الترك كثيرا ما يشتبه أحدهم بالآخر فيمكن أن يكون إطلاق بعض القوم لفظ الوجوب على الوضوء بالنسبة إلى جميع الصلوات الواجبة بمعنى الشرطية فاشتبه بالمعنى الاخر وظن الاجماع عليه ونقل وهذا مم لا يبعد جدا كما لا يخفى على من تتبع كلمات القوم صلوات الله عليهم وأقاويلهم المتشابهة مع أن ها هنا شيئا آخر وهو أن كثيرا من الأصحاب قابلون بوجوب مقدمة الواجب شرطا كان أو غيره فلما رأوا إطلاق الوجوب بمعنى الشرطية لجميع الصلوات على الوضوء إجماعا حكموا بناء على اعتقادهم بأن الوجوب بالمعنى الاخر أيضا إجماعي وبالجملة الحكم بالوجوب بمعنى استحقاق الذم على الترك لأجل جميع الصلوات الواجبة بأصل الشرع وغيره لا يخلو من خدشة والله تعالى ورسوله وأهل الذكر (عليه السلام) اعلم تذنيب إعلم أن الظاهر من الآية الكريمة المتقدمة وجوب الوضوء على كل مقيم إلى الصلاة حتى المتطهرين أيضا لدلالة كلمة إذا على العموم عرفا مع أن حمله ها هنا على الاهمال يجعل الكلام خاليا عن الفائدة المعتد بها وهو لا يناسب بكلام الحكيم كما قيل لكن الاجماع واقع على وجوب الوضوء على المحدثين فقط؟ قال الشيخ (ره) في التهذيب في بحث التيمم في أثناء كلام ثم لو صح الخبر لكان محمولا على الاستحباب كما يحمل تجديد الوضوء على الاستحباب وإن كان لا خلاف في استباحة صلوات كثيرة به وقال العلامة (ره) في المنتهى مسألة إذا توضأ لنافلة جاز أن يصلي بها فريضة وكذا يصلي بوضوء واحد ما شاء من الصلاة وهو مذهب أهل العلم خلافا لظاهر النهاية انتهى فقال بعضهم أن الحكم كان في الابتداء كذلك وكان الوضوء واجبا عند كل صلاة عل المتطهر والمحدث لكنه قد نسخ وهذا الوجه ضعيف من وجوه اتفاق الجمهور على أن المائدة ثابتة لا نسخ فيها وما روي عنه (صلى الله عليه وآله) المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها وعدم ظهور ناسخ واعتبار الحديث في التيمم الذي هو بدل منه في الآية واعترض على القول بالنسخ بوجه آخر هو أنه إذا كان الحكم العام بوجوب الوضوء باقيا في المحدثين مرتفعا عن المتطهرين فكيف يكون نسخا بل يكون تخصيصا إذ لا معنى للتخصيص سوى ذلك وأجيب بأن التخصيص هو أن يورد لفظ عام ويراد منه ابتداء بعض أفراده لا جميعها وأما إذا أريد منه في الابتداء جميع أفراده ثم خصص ببعض فيكون نسخا البتة والامر ها هنا كذلك وقال بعض أن الامر للندب لان تجديد الوضوء عند كل صلاة مستحب كما يشهد به الاخبار وهذا أيضا ضعيف من حيث أنه يلزم حينئذ عدم موافقة القرينة الذي هو فاطهروا لأنه للوجوب قطعا ومن أن الندب بالنسبة إلى الجميع غير معقول لثبوت الوجوب على بعض البتة إلا أن يقال الاستحباب ينسحب إلى الشمول والعموم وفيه بعد وقد ضعف هذا الوجه أيضا بما ضعف الوجه الأول به من حديث اعتبار الحدث وفيه تأمل لان الامر في فتيمموا محمول على الوجوب فلا مفسدة في اعتبار الحديث فيه بدون اعتباره في المبدل منه لندبية الامر به نعم يلزم حينئذ عدم موافقة آخر بين القرينتين وقيل يحمله على الرجحان المطلق ويكون الندب بالنسبة إلى المتوضيين والوجوب بالنسبة إلى المحدثين وفيه أيضا لزوم عدم الموافقة ولزوم عموم المجاز والاشتراك الذي هو أما غير جايز أو بعيد جدا أيضا لو كان مراد القايل أن الندب بالنسبة إلى البعض والوجوب بالنسبة إلى آخر مدلول الصيغة وأما إذا كان مراده أنه مفهوم من الخارج وإن مدلول الصيغة هو الرجحان مطلقا فلا والأولى أن يقال أن الآية مخصصة بالمحدثين لا بأن يكون المراد من الذين آمنوا المحدثين بل بإبقائه على العموم؟
إن كنتم محدثين في نظم الكلام فيصير المعنى حينئذ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فإن كنتم محدثين بالحدث الأصغر فتوضؤوا وإن كنتم جنبا فاغتسلوا وإن لم تقدروا على الماء وكنتم محدثين أما بالحدث الأصغر أو الأكبر فتيمموا فيوافق القرائن ويطابق النظائر ثم أن الشيخ (ره) روى في التهذيب في أوائل باب الاحداث الموجبة للطهارة؟ رواية موثقة عن ابن بكير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قوله إذا قمتم إلى الصلاة ما يعني بذلك إذا قمتم إلى الصلاة قال إذا قمتم من النوم وعلى هذا فلا إشكال هذا واعلم إن الحكم المذكور أي عدم وجوب الوضوء عند كل صلاة بل وجوبه على المحدثين فقط مع كونه إجماعيا كما نقل يدل عليه أيضا روايات منها الروايات الكثيرة المتظافرة التي كادت أن تبلغ حد التواتر بالمعنى الدالة جميعا على حصر ناقض الوضوء في الاحداث من جملتها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أوائل باب الاحداث بطريق صحيح على الظاهر عن زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم