فهذا الزهري وهو أحد من روى عنه هذا الحديث قد أجاز للرجل أن يشتري ما قد أخبر عنه وإن لم يكن عاينه ففي ذلك دليل على جواز إبتياع الغائب فقال قائل ممن ذهب إلى التأويل الذي قدمنا ذكره في أول هذا الباب من أين أجزتم بيع الغائب وهو مجهول قيل له ما هو بمجهول في نفسه لأنه متى رجع إليه رجع إلى معلوم فهو كبيع الحنطة في سنبله المرجوع منها إلى حنطة معلومة وإنما الجهل في هذا هو جهل البائع والمشتري فأما المبيع في نفسه فغير مجهول وإنما المجهول الذي لا يجوز بيعه هو المجهول في نفسه الذي لا يرجع منه إلى معلوم كبعض طعام غير مسمى باعه رجل من رجل فذلك البعض غير معلوم وغير مرجوع منه إلى معلوم فالعقد على ذلك غير جائز وقد وجدنا البيع يجوز عقده على طعام بعينه على أنه كذا وكذا قفيزا والبائع والمشتري لا يعلمان حقيقة كيله فيكون من حقوق البيع وجوب الكيل للمشتري على البائع ولا يكون جهلهما به ويوجب وقوع البيع على كيل مجهول إذا كانا يرجعان من ذلك إلى كيل معلوم فذلك الطعام الغائب إذا بيع والمشتري والبائع به جاهلان لا يكون جهلهما به يوجب وقوع العقد على شئ مجهول إذا كانا يرجعان منه إلى طعام معلوم فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين وقد روينا فيما تقدم من كتابنا هذا أن عثمان وطلحة رضي الله عنهما تبايعا مالا بالكوفة فقال عثمان لي الخيار لأني بعت ما لم أر وقال طلحة لي الخيار لأني ابتعت ما لم أر فحكما رضي الله عنهما بينهما جبير بن مطعم فقضى الخيار لطلحة ولا خيار لعثمان رضي الله عنه فاتفق هؤلاء الثلاثة بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على جواز بيع شئ غائب عن بائعه وعن مشتريه وقد حدثنا فهد قال ثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ركب يوما مع عبد الله بن بحينة وهو رجل من أزد شنوءة حليف لبني المطلب بن عبد مناف وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض له بريم
(٣٦٢)