والتقى فخر الأمة المحمدية وناشر السنة المصطفوية، قوام الفقهاء والمحدثين، ومعظم أهل الصلاح والدين، إمامنا وامام المسلمين، من لدن عهد التابعين إلى يوم الدين، أبي حنيفة الصوفي التابعي الكوفي، رحمة الله عليه، وعلى من يحبه ويترحم عليه وله (19) في القرآن الف ورقة، حكاه صاحب الكمال القاضي عياض في الاكمال وله (20) النوادر الفقهية في عشرة اجزاء وله (21) الحكايات في نيف وعشرين جزءا وله (22) حكم ارض مكة وله (23) قسم الفئ والغنائم وله (24) الرد على عيسى بن أبان في كتابه الذي سماه خطأ الكتب وله (25) الرد على أبى عبيد فيما أخطأ فيه، في كتاب النسب وله (26) اختلاف الروايات على مذهب الكوفيين.
يقول المترجم الراجي شفاعة شافع الأمم وصى احمد السورتي موطنا، والحنفي مذهبا، الذي لاحظ له من الحسنات الا تعمير ما اندرس من أبنية ألفاظ اخبار سيد المرسلين وتدبير تجديد انطمس من أساس آثار خاتم النبيين - انى قد تشرفت من مصنفاته بمطالعة (معاني الآثار) فرأيته وضعه على نمط منشط لم يظفر به أحد من أولى الاخبار وأودع فيه ما يكشف به قناع خرائد الاخبار ويعرف به رموز أبكار الآثار وسرد فيه الأحاديث بألفاظ رائقة تقر بسماعها عيون الاسماع وسلك في سردها مسالك معجبة فائقة تطرب لملاحظتها الطباع ووجدته عينا تجرى منها أنهار الآثار أو محيطا تتشعب منه بحار الاخبار وشاهدته بحرا فيه فرائد اللآلئ النفيسة وقصرا فيه خرائد الفوائد الشريفة ينطق بفضل مصنفه وقوة حفظه وإتقانه وينادى بأعلى نداء بمهارة مؤلفه في فنون الحديث بحيث لا يكاد يقاربه من سواه من أهل الحديث وقد سلك فيه مسلك خير الأوصاف وتجنب عن طريق الاعتساف، وأورد فيه ما هو الأليق الأنيق، ورجح ما هو عنده الحق الحقيق خلاف ما يزعمه بعض الزاعمين من معاصرينا، وتفوه في بعض مؤلفاته من أنه عزل النظر في بعض المواضع عن التحقيق وسلك المسلك الغير الأنيق.
ولعل منشأ هذا قلة الاعتناء بشأن كلامه أو سوء الفهم في درك مرامه فان تصانيفه لما فيها من الغموضة والدقة كما لا يخفى على المهرة، لا يظهر على ما فيها ظهورا واقعيا الا أولو الطبائع السليمة المجبولة على السلامة، وكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم وكيف يظن به ما ظن به، وانه قد أوتي في علوم الأحاديث والاخبار سعة باع (1) لم يؤت أحد مذ أوتي إلى هذا الآن وأعطى في متون الآثار وطرقها كثرة اطلاع لم يعط أحد منذ أعطي إلى هذا الزمان مع ما رزق من النظر الصائب والفكر الثاقب ولقد فاق من سواه من المحدثين حيث رزق الفقه في الدين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " ومع هذا فمن أساء الأدب في جنابه الأطهر، ونسب إلى حضرته عزل النظر، فهو - في الحقيقة - عازل النظر وفاقد البصر ومن أعمى الله بصر بصيرته، فلم ير هذه الشمس الا مظلمة فليبك على نفسه، وأي ذنب للشمس ان لم يرها الخفاش؟!.
ولى غرضي من هذا الكلام، الحط على ذلك الزاعم المرجع للعوام، فان هذا من عادة اللئام، بل الذب عن هذا الامام، وتحذير الأنام عن أن يتبعوه في مثل هذا المقام.