بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة الامام الهمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي المصري صاحب معاني الآثار الحمد لله الذي شيد اعلام الدين الحنيفي بكتابه المبين واحكم أصول احكامه بمحكمات بيناته الموجبة لليقين والصلاة والسلام على نبيه المبعوث إلى كافة العالمين الذي بعثه في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويرشدهم إلى الدين ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا لفي ضلال مبين.
فمحا بأحاديثه - الباهرة الظاهرة الفائحة اللائحة المشهود لها بأنه لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى - ريب المرتابين وما حاك في صدور المبتدعين وصحح بصحاح حديثه سقم قلوب العاملين ورفع بطرق حسانه اعلام الدين.
فنرى الاسناد في الروايات للعدول الثقات العارفين سببا متصلا إلى اللحوق بسيد المرسلين خاتم النبيين وموجبا للنجاة والفوز بما فاز به الفائزون من حملة الشريعة وأساطين الدين.
فطوبى لمن اعتصم بحبل الله المتين واستمسك بعرى أحاديث خير المبلغين فإنه الفوز العظيم والتشريف الجسيم وبعد فاعلم - وفقك الله وإيانا وجعل آخرتنا خيرا من أولانا - ان علماء الدين والأئمة والمجتهدين بذلوا جهدهم في تحقيق المسائل الشرعية وتدقيق النظائر الفرعية واستنبطوا احكام الفروع عن الأدلة الأربعة. فاتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، قوام الدين بهم وثبات الشرع بفقههم.
فمنهم أصحاب الطبقة العالية في الاجتهاد، وهم الذين صادف الدين منهم أقوى عماد، وضعوا المسائل على حسب قواعد أصولهم، وهذبوا مسائل الاجتهاد مع تنقيح طرق النظر على مذاهبهم، يستبدون في استنباط الاحكام من الكتاب والسنة والاجماع والقياس من غير تقليد في الأصول ولا في الفروع لأحد من الناس، وأحوالهم متفاوتة في اشتهار مذاهبهم واعتبار مشاربهم.
فممن شاع مذهبهم في الاعصار وأشهر آثار علمهم في الأقطار والأمصار، إمامنا الأعظم، وهمامنا الأقدم الأفخم، نعمان الكوفي، ومالك بن انس، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل وسفيان الثوري وابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن الأوزاعي.
ولكن الله خص من بينهم الأئمة الأربعة أبا حنيفة ومالكا والشافعي وابن حنبل، بحيث منع العلماء تقليد غيرهم إذ لم يدر مثلهم في غيرهم من المجتهدين إلى الآن لاندراس مذاهبهم ولانقراض أصحاب غيرهم وتعذر نقل مذاهبهم.
والحاصل ان هؤلاء الأربعة الجلة انخرقت بهم العادة على معنى الكرامة عناية من الله لهم إذا قيست أحوالهم بأحوال أضرابهم.
فاشتهار مذاهبهم في ظهور الآفاق، واعتبار أصولهم وفروعهم في بطون الأوراق، واجتماع القلوب على الاخذ بها