فلم يجز لأحد أن يحتج في حديث أنس رضي الله عنه بأحد الوجهين مما روى عن أنس رضي الله عنه لان لخصمه أن يحتج عليه بما روى عن أنس مما يخالف ذلك وأما قوله ولكن القنوت قبل الركوع فلم يذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد يجوز أن يكون ذلك أخذه عمن بعده أو رأيا رآه فقد رأى غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك فلا يكون قوله أولى من قول من خالفه إلا بحجة تبين لنا فإن قال قائل فقد روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال كنت جالسا عند أنس بن مالك رضي الله عنه فقيل له إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا فقال ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا قيل له قد يجوز أن يكون ذلك القنوت هو القنوت الذي رواه عمرو عن الحسن عن أنس رضي الله عنه فإن كان ذلك كذلك فقد ضاده ما قد ذكرنا ويجوز أن يكون ذلك القنوت هو القنوت قبل الركوع الذي ذكره أنس رضي الله عنه في حديث عاصم فلم يثبت لنا عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت قبل الركوع شئ وقد ثبت عنه النسخ للقنوت بعد الركوع وكان أبو هريرة رضي الله عنه أحد من روى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا القنوت في الفجر فذلك القنوت هو دعاء لقوم ودعاء على آخرين وفي حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ذلك حين أنزل الله عز وجل ليس لك من الامر شئ الآية فإن قال قائل فكيف يجوز أن يكون هذا هكذا وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح فذكر ما قد حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف ح وحدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قالا ثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج قال كان أبو هريرة رضي الله عنه يقنت في صلاة الصبح قال أبو جعفر فدل ذلك على أن المنسوخ عند أبي هريرة رضي الله عنه إنما كان هو الدعاء على من دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما القنوت الذي كان مع ذلك فلا قيل له إن يونس بن يزيد قد روى عن الزهري في حديث القنوت الذي رويناه في أول هذا الباب ما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال أنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب فذكر ذلك الحديث بطوله ثم قال فيه ثم قد بلغنا أنه ترك ذلك حين أنزل عليه ليس لك من الامر شئ الآية فصار ذكر نزول هذه الآية الذي كان به النسخ من كلام الزهري لا مما رواه عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه فقد يحتمل أن يكون نزول هذه الآية لم يكن أبو هريرة رضي الله عنه علمه فكان يعمل على ما علم من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقنوته إلى أن مات لان الحجة لم تثبت عنده بخلاف ذلك
(٢٤٨)