قلنا لك: هذه مغالطة، لأنا إذا اشترطنا كمال العقل فقد دخل في جملة العلم بالمدركات ومخبر (1)، فكيف يجوز أن يشرط تساويهما في العلم بمخبر الأخبار، ثم يجوز انفراد أحدهما بذلك، وليس يمكن أن يدعى أنا شرطنا في ذلك كون الحي مدركا.
ولهذا فصل أصحابنا بين كون الحي مدركا وكونه عالما، فقالوا: قد يكون عالما غير مدرك ومدركا غير عالم، كالبهيمة والمجنون والطفل.
فإذا قيل لهم: متى كان كامل العقل وأدرك شيئا غير ملتبس، فلا بد من أن يكون عالما بما فعل، فقد وجب هاهنا عالما مقترنا بكونه مدركا.
قالوا: اشتراط كمال العقل اشتراط لكونه ممن يجب أن يعلم ما أدركه، والشئ لا يكون شرطا في نفسه. على أنا لو تجاوزنا عن هذا الموضع، لكان بين الادراك والعلم - وإن تساويا هاهنا في الوجوب والحصول - فرق واضح.
وهو أن العلم قد ثبت أنه معنى من المعاني، بدلالة كون الحي في أكثر المواضع عالما، مع جواز أن لا يكون عالما، والشروط كلها واحدة.
وإذا ثبت أن العلم معنى من المعاني، وأن كون العالم عالما يجب عنه، ثبت ذلك في كل موضع، وفارق كون العالم عالما لكونه مدركا، لأنه لم يثبت في موضع من المواضع أن الادراك معنى. ولا أن الحي يجب حصوله على هذه الحال لعلة من العلل. لأن كل موضع يشار إليه، فالحال فيه متساوية في وجوب كونه مدركا عند تكامل الشرائط، واستحالة كونه كذلك عند اختلالهما (2)، فانفصل الأمران أحدهما من صاحبه.