فقال: ليس يخلو من أن يكون قد علم أن النبي صلى الله عليه وآله لا يأمر إلا بما فيه مصلحة، ويقتضيه الحكمة والبينات (1)، وأن أفعاله عن الله سبحانه وبأمره أو لم يعلم. فإن كان يعلم ذلك، فلم خالف مع ما علم؟ وإن كان لم يعلمه، فقد جهل ما يدل عليه العقول من عصمة الأنبياء من الخطأ، وجوز المفسدة فيما أمر به النبي صلى الله عليه وآله لهذا إن لم يكن قطع بها.
وهل يجوز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام توقف عن قبول الأمر لتجويزه أن يكون أمر النبي معتبرا له ومختبرا، مع ما في ذلك لكون النبي صلى الله عليه وآله عالما بإيمانه قطعا، وهو خلاف مذهبكم، ومع ما فيه من قبح الأمر على طريق الاختبار بما لا مصلحة في فعله على حال.
فإن قلتم: إنه جوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قد أضمر محذوفا يخرج الأمر به من كونه قبيحا.
قيل: لكم: فقد كان يجب أن يستفهمه ذلك ويستعلمه منه، ويقول: فما أمرتني قطعا من غير شرط أضمرته أولا. فقولوا ما عندكم في ذلك.
الجواب:
إن النبي صلى الله عليه وآله لما أمر أمير المؤمنين بمحو اسمه المضاف إلى الرسالة، وإثباته خاليا عن هذه الإضافة، على ما اقترحه سهيل بن عمرو، الذي كانت الهدنة معه نفر من ذلك واستكبره واستعظمه، وجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله إنما قال أفعل ذلك مرضيا لسهيل، وإن كان لا يؤثره ولا يريد فعله، بل يؤثره التوقف عنه. فتوقف حتى يظهر من النبي صلى الله عليه وآله ما يدل على أنه لذلك مؤثر، وأنه أمر في الحقيقة محو ما كتب، فصبر أمير المؤمنين