ويرى أهل النظر أنه إنما سمي غراب البين لأنه بان عن نوح عليه السلام فذهب ولذلك تشاءموا به وزجروا في نعيقه بالفراق والاغتراب واستخرجوا من اسمه الغربة وقالوا قذفته نوى غربة وهذا شاء مغرب وهذه عنقاء مغرب أي جائية من بعد يعنون العقاب وكل هذا مشتق من اسم الغراب لمفارقته نوحا صلى الله عليه وسلم ومباينته قال أبو محمد ومن الدليل أيضا حديث محمد بن سنان العوفي عن عبد الله بن الحارث بن أبزى المكي عن أمه رائطة بنت مسلم عن أبيها أنه قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فقال لي ما اسمك قلت غراب فقال أنت مسلم كره أن يكون اسمه غرابا لفسق الغراب ومعصيته فسلماه مسلما ذهب إلى ضد معنى الغراب لان الغراب عاص والمسلم مطيع مأخوذ من الاستسلام وهو الانقياد والطاعة وكان عليه السلام يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح على ما قدمنا من القول في هذا الكتاب ولو أنا تركنا هذا المذهب الذي عليه المسلمون في تجويز الطاعة والمعصية على الحية والغراب والفأرة إلى ما يجوز في كلام العرب وفي اللغة لجاز لنا أن نسمي كل واحد من هذه فاسقا لان الفسق الخروج على الناس والايذاء عليهم يقال فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها وكل خارج عن شئ فهو فاسق قال الله تعالى إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أي خرج عن أمر ربه وطاعته فالحية تخرج على الناس من جحرها فتعبث بطعام الناس وتنهش وتكرع في شرابهم وتمج فيه ريقها
(١٣٢)