في الوسائط ما يقتضيه وجود الفترة الزمنية الطويلة التي فصلت بين صدور الحديث وكتابته. ومن الطبيعي أنه لا مفر من وقوع النقل بالمعنى في تخريج الأحاديث، وحدوث الزيادة والنقصان في الأخبار، هذا إن كانت نوايا المحدثين والحفاظ سليمة، وأما لو تكررت الوسائط في نقل الخبر وكل منهم روى الخبر بالمعنى - خاصة إذا كانت الأهداف غير سليمة - فحينئذ فعلى الخبر الصحيح السلام.
الدليل الرابع: تقطيع الحديث وهذا دليل آخر وهو رابع الأدلة على عدم الوثوق والطمأنينة بما ورد من الحديث في صحيح البخاري.
وهذا العمل أو بالأحرى هذه الخيانة - تقطيع الحديث - التي صدرت من البخاري ناجمة عن روح التعصب والتطرف الذي كان يكنه تجاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولذلك تراه يسقط ويقطع أي حديث فيه منقبة من مناقب علي (عليه السلام) أو يكشف عن منقصة وجهالة لأحد من الخلفاء فيحذف صدر الحديث أو ذيله، أو يعمد إلى قطعه من وسطه حتى تخفى المنقبة أو المنقصة.
وهذا العمل يعتبره علماء الحديث تدليسا وخيانة في أمانة نقل الرواية. وإن البخاري كمحدث أو مفسر أو مؤرخ لم يلتزم في نقله الحديث بمسؤوليته - في بيان الحقائق كاملة كما هي، بل عمد إلى حذف ما يخالف هواه مما في الحديث وضبط ما تستسيغه نفسه وذوقه، وهذا التدليس والتقطيع يعد من أعظم الخيانات التي يقترفها المحدث، لأنه تعتيم للحقائق وتزوير للواقع وتضليل للأفكار والأذهان، وهذا إن دل على شئ فإنه يدلنا على حقيقة هامة وهي أن شطرا كبيرا وعددا ضخما من الأحاديث والروايات الصحيحة كانت بحيازة البخاري، وحيث إنها لا تتلاءم وهواه فلم يدونها في صحيحه ومن ثم اندرست شيئا فشيئا، ومن البين أن من يقوم بالتدليس في كل ما يريد تدوينه فإن مصير سائر الأحاديث المخالفة لهواه تكون التشويه أو النسيان.
ونورد لك - أيها القارئ الكريم - أمثلة ونماذج من تدليسات البخاري