البخاري وذيله تأييد للمعنى المراد من إنه خشي على نفسه من التكهن والشعر والجنون.
معايب القصة:
وإن كان المؤرخون قد نقلوا هذه الأسطورة ولكن أكثر العتب والمؤاخذة ترد على البخاري ومسلم - اللذان أخرجا هذا الحديث في صحيحيهما معتقدين بصحته -.
ويستفاد من هذا الحديث:
أولا: إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان شاكا ومترددا في نبوته حتى بعد نزول الوحي والقرآن عليه، وهبوط جبرئيل إليه، وكان يخيل إليه أن الجن قد حل فيه.
وهؤلاء المخرجون للحديث أرادوا بذلك تثبيت ما كان عرب الجاهلية يعتقدونه بعد نزول الوحي من أن النبي (صلى الله عليه وآله) كاهن أو شاعر، - مع أنه كان يكره الكهان والشعراء والجنون - وحاول الانتحار بأن يطرح نفسه من جبل شاهق ليريح نفسه، ولكن خديجة وابن عمها ورقة بن نوفل ساعداه حتى أذهبا عنه ما كان فيه من الخوف والروع، وذكروه بأن هذه المسألة لا علاقة لها بالأجنة بل هي وحي ونبوة.
فعلى هذا، كيف يعقل أن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يعلم أنه نبي ورسول حتى بعد نزول الوحي عليه، في حين أن الكهنة والرهبان كانوا على علم برسالته منذ أمد بعيد.
وهل يعقل أن يبعث الله نبيا وليس للرسول خبر عن هذه الرسالة الملقاة على عاتقه؟ حتى أنه لا يستطيع أن يميز بين الوحي الإلهي والوساوس الشيطانية؟ بينما نقرأ في القرآن بأن النبي عيسى (عليه السلام) أعلن بكل صراحة عن نبوته، وهو ما زال في المهد: ﴿آتاني الكتاب وجعلني نبيا﴾ (١). ونقرأ أيضا عن النبي موسى (عليه السلام) أنه علم بنبوته في بداية نزول الوحي عليه وأعد نفسه للدعوة الإلهية وقال: ﴿رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري﴾ (2).